وبهذا يشبه المحالات والممكنات التي لاطماعية في وقوعها فيتولد منه معنى التمنى ومنها أي من انواع الطلب (الاستفهام) وهو طلب حصول صورة الشئ في الذهن فان كانت وقوع نسبة بين امرين أو لا وقوعها فحصولاه هو التصديق والا فهو التصور. (والالفاظ الموضوعة له الهمزة وهل وما ومن واى وكم وكيف واين وانى ومتى وايان. فالهمزة لطلب التصديق) أي انقياد الذهن واذعانه لوقوع نسبة تامة بين الشيءين (كقولك اقام زيد) في الجملة الفعلية (وازيد قائم) في الجملة الاسمية (أو) لطلب (التصور) أي ادراك غير النسبة (كقولك) في طلب تصور المسند إليه (ادبس في الاناء ام عسل) عالما بحصول شئ في الاناء طالبا لتعيينه (و) في طلب تصور المسند (في الخابية دبسك ام في الزق) عالما بكون الدبس في واحد من الخابية والزق طالبا لتعيين ذلك (ولهذا) أي ولمجئ الهمزة لطلب التصور (لم يقبح) في تصور الفاعل (ازيد قام) كما قبح هل زيد قام (و) (لم يقبح في طلب تصور المفعول اعمروا عرفت) كما قبح هل عمروا عرفت. وذلك لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل لطلب حصول الحاصل. وهذا ظاهر في أعمروا عرفت لا في ازيد قام فليتأمل (والمسؤول عنه بها) أي بالهمزة (هو ما يليها كالفعل في اضربت زيدا) إذا كان الشك في نفس الفعل اعني الضرب الصادر من المخاطب الواقع على زيد واردت بالاستفهام ان تعلم وجوده فيكون لطلب التصديق. ويحتمل ان يكون لطلب تصور المسند بان تعلم انه قد تعلق فعل من المخاطب بزيد لكن لا تعرف انه ضرب أو اكرام (والفاعل فئ انت ضربت) إذا كان الشك في الضارب (والمفعول في ازيدا ضربت) إذا كان الشك في المضروب، وكذا قياس سائر المتعلقات (وهل لطلب التصديق فحسب) وتدخل على الجملتين (نحو هل قام زيد وهل عمرو قاعد) إذا كان المطلوب حصول التصديق بثبوت القيام لزيد والقعود لعمرو. (ولهذا) أي ولا ختصاصها بطلب التصديق (امتنع هل زيد قام ام عمرو) لان وقوع المفرد ههنا بعد ام دليل على ان ام متصلة وهى لطلب تعيين احد الامرين مع العلم بثبوت اصل الحكم وهل انما تكون لطلب الحكم فقط. ولو قلت هل زيد قام بدون ام عمرو لقبح ولا يمتنع لما سيجئ (و) لهذا ايضا (قبح هل زيدا ضربت لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل) فيكون هل لطلب حصول الحاصل وهو محال. وانما لما يمتنع؟ لاحتمال ان يكون زيدا مفعول فعل محذوف أو يكون التقديم لمجرد الاهتمام لا للتخصيص لكن ذلك خلاف الظاهر (دون) هل زيدا (ضربته) فانه لا يقبح (لجواز تقدير المفسر قبل زيدا) أي هل ضربت زيدا ضربته (وجعل السكاكى قبح هل رجل عرف لذلك) أي لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل لما سبق من مذهبه من ان الاصل عرف رجل على ان رجل بدل من الضمير في عرف قدم للتخصيص. (ويلزمه) أي السكاكى (ان لا يقبح هل زيد عرف) لان تقديم المظهر المعرفة ليس للتخصيص عنده حتى يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل مع انه قبيح باجماع النحاة. وفيه نظر لان ما ذكره من اللزوم ممنوع لجواز ان يقبح لعلة اخرى (وعلل غيره) أي غير السكاكى (قبحهما) أي قبح هل رجل عرف وهل زيد عرف (بان هل بمعنى قد في الاصل) واصله اهل (وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها في الاستفهام فاقيمت هي مقام الهمزة وقد تطفلت عليها في الاستفهام وقد من خواص الافعال فكذا ما هي بمعناها. وانما لم يقبح هل زيد قائم لانها إذا لم تر الفعل في حيزها ذهلت عنه ونسيت بخلاف ما إذا رأته فانها تذكرت العهود وجنت إلى الالف المألوف فلم ترض بافتراق الاسم بينهما. (وهى) أي هل (تخصص المضارع بالاستقبال) بحكم الوضع كالسين وسوف (فلا يصح هل تضرب زيدا) في ان يكون الضرب واقعا في الحال على ما يفهم عرفا ومن قوله (وهو اخوك كما يصح اتضرب زيدا وهو اخوك) قصدا إلى انكار الفعل الواقع في الحال بمعنى انه لا ينبغى ان يكون وذلك لان هل تخصص المضارع بالاستقبال فلا يصح لانكار الفعل الواقع في الحال بخلاف الهمزة فانها تصلح لانكار الفعل الواقع لانها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال. وقولنا في ان يكون الضرب واقعا في الحال ليعلم ان هذا الامتناع جار في كل ما يوجد فيه قرينة تدل على ان المراد انكار الفعل الواقع في الحال سواء عمل ذلك المضارع في جملة حالية كقولك اتضرب زيدا وهو اخوك أو لا كقوله تعالى اتقولون على الله ما لا تعلمون، وكقولك اتؤذى اباك واتشتم الامير فلا يصح وقوع هل في هذه المواضع. ومن العجائب ما وقع لبعضهم في شرح هذا الموضع من ان هذا الامتناع بسبب ان الفعل المستقبل لا يجوز تقييده بالحال واعماله فيها. ولعمري ان هذه فرية ما فيها مرية إذ لم ينقل عن احد من النحاة امتناع مثل سيجئ زيد راكبا وسأضرب زيدا وهو بين يدى الامير كيف وقد قال الله تعالى سيدخلون جهنم داخرين، وانما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين، وفى الحماسة ساغسل عنى العار بالسيف جاليا، على قضاء الله ما كان جالبا وامثال هذه اكثر من ان تحصى. واعجب من هذا انه لما سمع قول النحاة انه يجب تجريد صدر الجملة الحالية عن علم الاستقبال لتنافى الحال والاستقبال بحسب الظاهر على ما سنذكره حتى لا يجوز يأتيني زيد سيركب أو لن يركب فهم منه انه يجب تجريد الفعل العامل في الحال عن علامة الاستقبال حتى لا يصح تقييد مثل هل تضرب وستضرب ولن تضرب بالحال واورد هذا المقال دليلا على ما ادعاه ولم ينظر في صدر هذا المقال حتى يعرف انه لبيان امتناع تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال (ولاختصاص التصديق بها) أي لكون هل مقصورة على طلب التصديق وعدم مجيئها لغير التصديق كما ذكر فيما سبق. (وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيا اظهر) وما موصولة وكونه مبتدأ خبره اظهر وزمانيا خبر الكون أي بالشئ الذى زمانيته اظهر (كالفعل) فان الزمان جزء عن مفهومه بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه حيث يدل بعروضه له اما اقتضاء تخصيصها المضارع بالاستقبال لمزيد اختصاصها بالفعل فظاهر. واما اقتضاء كونها لطلب التصديق فقط لذلك فلان التصديق هو الحكم بالثبوت أو الانتفاء والنفى والاثبات انما يتوجهان إلى المعاني والاحداث التى هي مدلولات الافعال لا إلى الذوات التى هي مدلولات الاسماء. (ولهذا) أي ولان لها مزيد اختصاص بالفعل (كان فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر من فهل تشكرون وفهل انتم تشكرون) مع انه مؤكد بالتكرير لان انتم فاعل فعل محذوف (لان ابراز ما سيتجدد في معرض الثابت ادل على كمال العناية بحصوله) من ابقائه على اصله كما في هل تشكرون لان هل في هل تشكرون وفى هل انتم تشكرون على اصلها لكونها داخلة على الفعل تحقيقا في الاول وتقديرا في الثاني. (و) فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر (من افانتم شاكرون) ايضا (وان كان للثبوت باعتبار) كون الجملة اسمية (لان هل ادعى للفعل من الهمزة فتركه معها) أي ترك الفعل مع هل (ادل على ذلك) أي على كمال العناية بحصول ما سيتجدد (ولهذا) أي ولان هل ادعى للفعل من الهمزة (لا يحسن هل زيد منطلق الا من البليغ) لانه الذى يقصد به الدلالة على الثبوت وابراز ما سيوجد في معرض الوجود (وهى) أي هل (قسمان بسيطة وهى التى يطلب بها وجود الشئ أو لا) وجوده (كقولنا هل الحركة موجودة) أو لا موجودة (ومركبة وهى التى يطلب بها وجود شئ لشئ) أو لا وجود له (كقولنا هل الحركة دائمة) أو لا دائمة فان المطلوب وجود الدوام للحركة أو لا وجوده لها. وقد اعتبر في هذه شيءان غير الوجود وفى الاولى شئ واحد فكانت مركبة بالنسبة إلى الاولى وهى بسيطة بالنسبة إليها. (والباقية) من الفاظ الاستفهام تشترك في انها (لطلب التصور فقط) وتختلف من جهة ان المطلوب بكل منها تصور شئ آخر. (قيل فيطلب بما، شرح الاسم كقولنا ما العنقاء) طالبا ان يشرح هذا الاسم ويبين مفهومه فيجاب بايراد لفظ اشهر (أو ما هية المسمى) أي حقيقته التى هو بها هو (كقولنا ما الحركة) أي ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بايراد ذاتياته. (وتقع هل البسيطة في الترتيب بينهما) أي بين ما التى لشرح الاسم والتى لطلب الماهية يعنى ان مقتضى الترتيب الطبيعي ان يطلب أو لا شرح الاسم ثم وجود المفهوم في نفسه ثم ما هيته وحقيقته لان من لا يعرف مفهوم اللفظ استحال منه ان يطلب وجود ذلك المفهوم ومن لا يعرف انه موجود استحال منه ان يطلب حقيقته وماهيته إذ لا حقيقة للمعدوم ولا ماهية له والفرق بين المفهوم من الاسم بالجملة وبين الماهية التى يفهم من الحد بالتفصيل غير قليل فان كل من خوطب باسم فهم فهما ما ووقف على الشئ الذى يدل عليه الاسم إذا كان عالما باللغة. واما الحد فلا يقف عليه الا المرتاض بصناعة المنطق فالموجودات لما كان لها حقائق ومفهومات فلها حدود حقيقية واسمية واما المعدومات فليس لها الا المفهومات فلا حدود لها الا بحسب الاسم لان الحد بحسب الذات لا يكون الا بعد ان يعرف ان الذات موجودة حتى ان ما يوضع في اول التعاليم من حدود الاشياء التى يبرهن عليها في اثناء التعاليم انما هي حدود اسمية ثم إذا برهن عليها واثبت وجودها صارت تلك الحدود بعينها حدودا حقيقية جميع ذلك مذكور في الشفاء. (و) يطلب (بمن العارض المشخص) أي الامر الذى يعرض (لذى العلم) فيفيد تشخصه وتعينه (كقولنا من في الدار) فيجاب عنه بزيد ونحوه مما يفيد تشخصه (وقال السكاكى يسأل بما عن الجنس تقول ما عندك أي أي اجناس الاشياء عندك وجوابه كتاب ونحوه) ويدخل فيه السؤال عن الماهية والحقيقة نحو ما الكلمة أي أي اجناس الالفاظ هي وجوابه لفظ مفرد موضوع (أو عن الوصف تقول ما زيد وجوابه الكريم ونحوه و) يسأل (بمن عن الجنس من ذى العلم تقول من جبريل أي ابشر هو ام ملك ام جنى. وفيه نظر) إذ لا نسلم انه للسؤال عن الجنس وانه يصح في جواب من جبريل ان يقال ملك بل جوابه ملك من عند الله يأتي بالوحى كذا وكذا مما يفيد تشخصه (ويسأل باى عما يميز احد المتشاركين في امر يعمهما) وهو مضمون اضيف إليه أي (نحو أي الفريقين خير مقاما، أي انحن ام اصحاب محمد عليه السلام) والمؤمنون والكافرون قد اشتركا في الفريقية وسألوا عما يميز احدهما عن الاخر مثل كون الكافرين قائلين بهذا القول ومثل كون اصحاب محمد عليه السلام غير قائلين. (و) يسأل (بكم عن العدد نحو سل بنى اسرائيل كم آتيناهم من آية بينة،) أي كم آية آتيناهم اعشرين ام ثلثين فمن آية مميزكم بزيادة من لما وقع من الفصل بفعل متعد بين كم ومميزه كما ذكرنا في الخبرية، فكم ههنا للسؤال عن العدد لكن الغرض من هذا السؤال هو التقريع والتوبيخ. (و) يسأل (بكيف عن الحال وباين عن المكان وبمتى عن الزمان) ماضيا كان أو مستقبلا (وبايان عن) الزمان (المستقبل. قيل ويستعمل في مواضع التفخيم مثل يسأل ايان يوم القيمة، وانى تستعمل تارة بمعنى كيف) ويجب ان يكون بعدها فعل (نحو فأتوا حرثكم انى شئتم) أي على أي حال ومن أي شق اردتم بعد ان يكون المأتى موضع الحرث ولم يجئ انى زيد بمعنى كيف هو (واخرى بمعنى من اين نحو انى لك هذا) أي من اين لك هذا الرزق الاتى كل يوم. وقوله يستعمل اشارة إلى انه يحتمل ان يكون مشتركا بين المعنيين وان يكون في احدهما حقيقة وفى الاخر مجازا ويحتمل ان يكون معناه اين الا انه في الاستعمال يكون مع من ظاهرة كما في قوله من انى عشرون لنا أي من اين أو مقدرة كما في قوله تعالى انى لك هذا أي من اين لك هذا على ما ذكره بعض النحاة. (ثم ان هذه الكلمات الاستفهامية كثيرا ما تستعمل في غير الاستفهام) مما يناسب المقام بحسب معونة القرائن (كالا ستبطاء نحو كم دعوتك والتعجب نحو مالى لا ارى الهدهد) لانه كان لا يغيب عن سليمان عليه السلام الا باذنه فلما لا يبصره مكانه تعجب من حال نفسه في عدم ابصاره اياه. ولا يخفى انه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه وقول صاحب الكشاف انه نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال مالى لا اراه على معنى انه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له انه غائب فاضرب عن ذلك واخذ يقول اهو غائب كانه يسأل عن صحة ما لاح له يدل على ان الاستفهام على حقيقته. (والتنبيه على الضلال نحو فاين تذهبون والوعيد كقولك لمن يسئ الادب الم اؤدب فلانا إذا علم) المخاطب (ذلك) وهو انك ادبت فلانا فيفهم معنى الوعيد والتخويف ولا يحمله على السؤال. (والتقرير) أي حمل المخاطب على الاقرار بما يعرفه والجائه إليه (بايلاء المقرر به الهمزة) أي بشرط ان يذكر بعد الهمزة ما حمل المخاطب على الاقرار به (كما مر) في حقيقة الاستفهام من ايلاء المسؤل عنه الهمزة تقول اضربت زيدا في تقريره بالفعل وانت ضربت في تقريره بالفاعل وازيدا ضربت في تقريره بالمفعول وعلى هذا القياس. وقد يقال التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت فيقال اضربت زيدا بمعنى انك ضربته البتة (والانكار كذلك نحو اغير الله تدعون) أي بايلاء المنكر الهمزة كالفعل في قوله ايقتلنى والمشرفي مضاجعي، والفاعل في قوله تعالى اهم يقسمون رحمة ربك، والمفعول في قوله تعالى اغير الله اتخذ وليا، واغير الله تدعون. واما غير الهمزة فيجئ للتقرير والانكار لكن لا يجرى فيه هذه التفاصيل ولا يكثر كثرة الهمزة فلذا لم يبحث عنه. (ومنه) أي من مجئ الهمزة للانكار (نحو اليس الله بكاف عبده، أي الله كاف) لان انكار النفى نفى له و(نفى النفى اثبات وهذا) المعنى (مراد من قال الهمزة فيه للتقرير) أي لحمل المخاطب على الاقرار (بما دخله النفى) وهو الله كاف (لا بالنفى) وهو ليس الله بكاف فالتقرير لا يجب ان يكون بالحكم الذى دخلت عليه الهمزة بل بما يعرف المخاطب من ذلك الحكم اثباتا أو نفيا. وعليه قوله تعالى اأنت قلت للناس اتخذوني وامى الهين من دون الله، فالهمزة فيه للتقرير أي بما يعرفه عيسى عليه السلام من هذا الحكم لا بانه قد قال ذلك فافهم. وقوله والانكار كذلك دل على ان صورة انكار الفعل ان يلى الفعل الهمزة، ولما كان له صورة اخرى لا يلى فيها الفعل الهمزة اشار إليها بقوله (ولانكار الفعل صورة اخرى وهى نحو ازيدا ضربت ام عمروا لمن يردد الضرب بينهما) من غير ان يعتقد تعلقه بغيرهما فإذا انكرت تعلقه بهما فقد نفيته عن اصله لانه لابد له من محل يتعلق به (والانكار اما للتوبيخ أي ما كان ينبغى ان يكون) ذلك الامر الذى كان (نحو اعصيت ربك) فان العصيان واقع لكنه منكر. وما يقال انه للتقرير فمعناه التحقيق والتثبيت (أو لا ينبغى ان يكون في) أي ان يحدث ويتحقق مضمون ما دخلت عليه الهمزة وذلك في المستقبل (نحو اتعصى ربك) يعنى لا ينبغى ان يتحقق العصيان (أو للتكذيب) في الماضي (أي لم يكن نحو افاصفيكم ربكم بالبنين) أي لم يفعل ذلك (أو) في المستقبل أي (لا يكون نحو انلز مكموها) أي انلزمكم تلك الهداية أو الحجة بمعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء والحال انكم لها كارهون يعنى لا يكون منا هذا الالزام (والتهكم) عطف على الاستبطاء أو على الانكار، وذلك انهم اختلفوا في انه إذا ذكر معطوفات كثيرة ان الجميع معطوف على الاول أو كل واحد عطف على ما قبله (نحو اصلوتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا) وذلك ان شعيبا عليه السلام كان كثير الصلوات وكان قومه إذا رأوه يصلى تضاحكوا فقصدوا بقولهم اصلوتك تأمرك الهزء والسخرية لاحقيقة الاستفهام (والتحقيق نحو من هذا) استحقارا بشانه مع انك تعرفه (والتهويل كقرائة ابن عباس) رضى الله عنه (ولقد نجينا بنى اسرائيل من العذاب المهين من فرعون بلفظ الاستفهام) أي من بفتح الميم (ورفع فرعون) على انه مبتدأ ومن الاستفهامية خبره أو بالعكس على اختلاف الرأيين فانه لا معنى لحقيقة الاستفهام ههنا وهو ظاهر بل المراد انه لما وصف الله العذاب بالشدة والفظاعة زادهم تهويلا من فرعون أي هل تعرفون من هو في فرط عتوه وشدة شكيمته فما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله (ولهذا قال انه كان عاليا من المسرفين) زيادة لتعريف حاله وتهويل عذابه (والاستبعاد نحو انى لهم الذكرى فانه لا يجوز حمله على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر. بل المراد استبعاد ان يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى (وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه) أي كيف يتذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من الايمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو اعظم وادخل في وجوب الاذكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وآله من الايات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يتذكروا واعرضوا عنه. (ومنها) أي من انواع الطلب (الامر) وهو طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء وصيغته تستعمل في معان كثيرة، فاختلفوا في حقيقته الموضوعة هي لها اختلافا كثيرا، ولما لم تكن الدلائل مفيدة للقطع بشئ. قال المصنف: (والاظهر ان صيغته من المقترنة باللام نحو ليحضر زيد وغيرها نحو اكرم عمرا ورويد بكرا) فالمراد بصيغته ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان اسما أو فعلا (موضوعة لطلب الفعل استعلاء) أي على طريق طلب العلو وعد الآمر نفسه عاليا سواء كان عاليا في نفسه ام لا (لتبادر الفهم عند سماعها) أي سماع الصيغة (إلى ذلك) المعنى اعني الطلب استعلاء والتبادر إلى الفهم من اقوى امارات الحقيقة. (وقد تستعمل) صيغة الامر (لغيره) أي لغير طلب الفعل استعلاء (كالاباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين) فيجوز له ان يجالس احدهما أو كليهما وان لا يجالس احدا منهما اصلا (والتهديد) أي التخويف وهوا اعم من الانذار لانه ابلاغ مع التخويف. وفى الصحاح الانذار تخويف وهو مع دعوة (نحو اعملوا ما شئتم) لظهور ان ليس المراد الامر بكل عمل شاؤا (والتعجيز نحو فأتوا بسورة من مثله) إذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالا. والظرف اعني قوله من مثله متعلق بفأتوا والضمير لعبدنا أو صفة لسورة والضمير لما نزلنا أو لعبدنا. فان قلت لم لا يجوز على الاول ان يكون الضمير لما نزلنا. قلت: لانه يقتضى ثبوت مثل القرآن في البلاغة وعلوا الطبقة بشهادة الذوق إذ التعجيز انما يكون عن المأتى به فكأن مثل القرآن ثابت لكنهم عجزوا عن ان يأتوا عنه بسورة بخلاف ما إذا كان وصفا للسورة فان المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف. فان قلت فليكن التعجيز باعتبار انتفاء المأتى به منه. قلنا احتمال عقلي لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له مساغ في اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم فلا اعتداد به، ولبعضهم هنا كلام طويل لا طائل تحته (والتسخير نحو كونوا قردة خاسئين والاهانة نحو كونوا حجارة أو حديدا) إذ ليس الغرض من يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة أو حديدا لعدم قدرتهم على ذلك لكن في التسخير يحصل الفعل اعني صيرورتهم قردة وفى الاهانة لا يحصل إذا المقصود قلة المبالاة بهم. (والتسوية نحو اصبروا أو لا تصبروا) ففى الاباحة كأن المخاطب توهم ان الفعل محظور عليه فاذن له في الفعل مع عدم الحرج في الترك وفى التسوية كانه توهم ان احد الطرفين من الفعل والترك انفع له وارجح بالنسبة إليه فرفع ذلك التوهم وسوى بينهما. (والتمنى نحو الا ايها الليل الطويل الا انجلى) بصبح وما الا صباح منك بامثل، إذ ليس الغرض طلب الانجلاء من الليل إذ ليس ذلك في وسعه لكنه يتمنى ذلك تخلصا عما عرض له في الليل من تباريح الجو ولا ستطالة تلك الليلة كأنه طماعية له في انجلائها فلهذا يحمل على التمنى دون الترجي. (والدعاء) أي الطلب على سبيل التضرع (نحو رب اغفر لى والالتماس كقولك لمن يساويك رتبة افعل بدون الاستعلاء) والتضرع، فان قيل أي حاجة إلى قوله بدون الاستعلاء مع قوله لمن يساويك رتبة، قلت قد سبق ان الاستعلاء لا يستلزم العلو فيجوز ان يتحقق من المساوى بل من الادنى ايضا. (ثم الامر قال السكاكى حقه الفور لانه الظاهر من الطلب) عند الانصاف كما في الاستفهام والنداء (ولتبادر الفهم عند الامر بشئ بعد الامر بخلافه إلى تغيير) الامر (الاول دون الجمع) بين الامرين (وارادة التراخي). فان المولى إذا قال لعبده قم ثم قال له قبل ان يقوم اضطجع حتى المساء يتبادر الفهم إلى انه غير الامر بالقيام إلى الامر بالاضطجاع ولم يرد الجمع بين القيام والاضطجاع مع تراخى احدهما. (وفيه نظر) لانا لا نسلم ذلك عند خلو المقام عن القرائن. (ومنها) أي من انواع الطلب (النهى) وهو طلب الكف عن الفعل استعلاء (وله حرف واحد وهو لاء الجازمة في نحو قولك لا تفعل وهو كالامر في الاستعلاء) لانه المتبادر إلى الفهم. (وقد يستعمل في غير طلب الكف) عن الفعل كما هو مذهب البعض (أو) طلب (الترك) كما هو مذهب البعض. فانهم قد اختلفوا في ان مقتضى النهى كف النفس عن الفعل بالاشتغال باحد اضداده أو ترك الفعل وهو نفس ان لا تفعل (كالتهديد كقولك لعبد لا يمتثل امرك لا تمثل امرى) وكالدعاء والالتماس وهو ظاهر. (وهذه الاربعة) يعنى التمنى والاستفهام والامر والنهى (يجوز تقدير الشرط بعدها) وايراد الجزاء عقيبها مجز وما بان المضمرة مع الشرط (كقولك) في التمنى (ليت لى مالا انفقه) أي ان ارزقه انفقه.
Sayfa 141