اعلم ان الانشاء قد يطلق على نفس الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقته أو لا تطابقته وقد يقال على ما هو فعل المتكلم اعني القاء مثل هذا الكلام كما ان الاخبار كذلك. والاظهر ان المراد ههنا هو الثاني بقرينة تقسيمه إلى الطلب وغير الطلب وتقسيم الطلب إلى التمنى والاستفهام وغيرهما والمراد بها معانيها المصدرية لا الكلام المشتمل عليها بقرينة قوله واللفظ الموضوع له كذا وكذا لظهور ان لفظ ليت مثلا يستعمل لمعنى التمنى لا لقولا ليت زيدا قائم فافهم. فالانشاء ان لم يكن طلبا كافعال المقاربة وافعال المدح والذم وصيغ العقود والقسم ورب ونحو ذلك فلا يبحث عنها ههنا لقلة المباحث المناسبة المتعلقة بها ولان اكثرها في الاصل اخبار نقلت إلى معنى الانشاء فالانشاء (ان كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب) لامتناع طلب الحاصل فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع اجراؤها على معانيها الحقيقية ويتولد منها بحسب القرائن ما يناسب المقام. (وانواعه) أي الطلب (كثيرة منها: التمنى) وهو طلب حصول شئ على سبيل المحبة (واللفظ الموضوع له ليت ولا يشترط امكان المتمنى) بخلاف الترجي (كقولك ليت الشباب يعود يوما) فاخبره بما فعل المشيب ولا تقود لعله يعود لكن إذا كان المتمنى ممكنا يجب ان لا يكون لك توقع وطماعية في وقوعه والا لصار ترجيا. (وقد يتمنى بهل نحو هي لى من شفيع حيث يعلم ان لا شفيع له) لانه حينئذ يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفائه، والنكتة في التمنى بهل والعدول عن ليت هي ابراز المتمنى لكمال العناية به في صورة الممكن الذى لا جزم بانتفائه. (و) قد يتمنى (بلو نحو لو تأتيني فتحدثني بالنصب) على تقدير فان تحدثني فان النصب قرينة على ان لو ليست على الصلها إذ لا ينصب المضارع بعدها باضمار ان وانما يضمر ان بعد الاشياء الستة والمناسب للمقام ههنا هو التمنى. قال (السكاكى كان حروف التنديم والتحضيض وهى هلا والا بقلب الهاء همزة ولولا ولو ما مأخوذة منهما) وخبر كأن منهما أي كأنها مأخوذة من هل ولو اللتين للتمني حال كونهما (مركبتين مع ماء ولاء المزيدتين لتضمينهما) علة لقوله مركبتين. والتضمين جعل الشئ في ضمن الشئ تقول ضمنت الكتاب كذا كذا بابا إذا جعلته متضمنا لتلك الابواب يعنى ان الغرض المطلوب من هذا التركيب والتزامه هو جعل هل ولو متضمنتين (معنى التمنى ليتولد) علة لتضمينهما يعنى ان الغرض من تضمينهما معنى التمنى ليس افادة التمنى بل ان يتولد (منه) أي من معنى التمنى المتضمنتين هما اياه (في الماضي التنديم نو هلا اكرمت زيدا) أو لو ما اكرمته على معنى ليتك اكرمته قصدا إلى جعله نادما على ترك الاكرام. (وفي المضارع التحضيض نحو هلا تقوم) ولو ما تقوم على معنى ليتك تقوم قصدا إلى حثه على القيام. والمذكور في الكتاب ليس عبارة السكاكى لكنه حاصل كلامه. وقوله لتضمينهما مصدر مضاف إلى المفعول الاول ومعنى التمنى مفعوله الثاني. ووقع في بعض النسخ لتضمنهما على لفظ التفعل وهو لا يوافق معنى كلام المفتاح. وانما ذكر هذا بلفظ كأن لعدم القطع بذلك. (وقد يتمنى بلعل فيعطى له حكم ليت) وينصب في جوابه المضارع على اضمار ان 0 نحو لعلى احج فازورك بالنصب لبعد المرجو عن الحصول).
Sayfa 130