بسم الله الرحمن الرحيم
Sayfa 3
بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا من شرح صدورنا لتلخيص البيان في ايضاح المعاني، ونور قلوبنا بلوامع التبيان من مطالع المثاني، ونصلي على نبيك محمد المؤيد دلائل اعجازه بأسرار البلاغة، وعلى آله وأصحابه المحرزين قصبات السبق في مضمار الفصاحة والبراعة.
(وبعد) فيقول الفقير إلى الله الغني، مسعود بن عمر المدعو بسعد التفتازاني، هداه الله سواء الطريق، وأذاقه حلاوة التحقيق، اني قد شرحت فيما مضى تلخيص المفتاح، وأغنيته بالأصباح عن المصباح، وأودعته غرائب نكت سمحت بها الانظار، ووشحته بلطائف فقر سبكتها يد الأفكار، ثم رأيت الجمع الكثير من الفضلاء، والجم الغفير من الأذكياء، يسألونني صرف الهمة نحو اختصاره، والاقتصار على بيان معانيه وكشف أستاره، لما شاهدوا من أن المحصلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره، وتقاعدت عزائمهم عن استكشاف خبيئات أسراره، وان المنتحلين قد قلبوا أحداق الاخذ والانتهاب، ومدوا أعناق المسخ على ذلك الكتاب.
وكنت اضرب عن هذا الخطب صفحا، واطوى دون مرامهم كشحا، علما مني بان مستحسن الطبايع بأسرها، ومقبول الاسماع عن آخرها، أمر لا يسعه مقدرة
Sayfa 5
البشر، وانما هو شأن خالق القوى والقدر، وان هذا الفن قد نضب اليوم ماؤه فصار جدالا بلا أثر، وذهب رواؤه فعاد خلافا بلا ثمر، حتى طارت بقية آثار السلف ادراج الرياح، وسالت بأعناق مطايا تلك الأحاديث البطاح، واما الاخذ والانتهاب فامر يرتاح له اللبيب، وللأرض من كأس الكرام نصيب، وكيف ينهر عن الانهار السائلون، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
ثم ما زادتهم مدافعتي الا شغفا وغراما، وظمأ في هواجر الطلب واو اما، فانتصبت لشرح الكتاب على وفق مقترحهم ثانيا، ولعنان العناية نحو اختصار الأول ثانيا، مع جمود القريحة بصر البليات، وخمود الفطنة بصر بصر النكبات، وترامى البلدان بي والأقطار، ونبو الأوطان عني والأوطار.
حتى طفقت أجوب كل اغبر قاتم الارجاء، وأحرر كل سطر منه في شطر من الغبراء، يوما بالجزوى ويوما بالعقيق ويوما بالعذيب ويوما بالخليصاء، ولما وفقت بعون الله تعالى للاتمام، وقوضت عنه خيامه بالاختتام، بعد ما كشفت عن وجوه خرائده اللثام، ووضعت كنوز فرائده على طرف الثمام، سعد الزمان وساعد الاقبال، ودنا المنى وأجابت الآمال، وتبسم في وجه رجائي المطالب، بان توجهت تلقاء مدين المآرب حضرة من أنام الأنام في ظل الأمان، وأفاض عليهم سجال العدل والاحسان، ورد بسياسته القرار إلى الأجفان، وسد بهيبته دون يأجوج الفتنة طرق العدوان، وأعاد رميم الفضائل والكمالات منشورا، ووقع الخطيات على صحائف الصفائح لنصرة الاسلام منشورا.
وهو السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، ملاذ سلاطين العرب والعجم، ملجا صناديد ملوك العالم، ظل الله على بريته، وخليفته في خليقته، حافظ البلاد، ناصر العباد، ما حي ظلم الظلم والعناد، رافع منار الشريعة النبوية، ناصب رايات العلوم الدينية، خافض جناح الرحمة لأهل الحق واليقين، ماد سرادق الامن بالنصر العزيز والفتح المبين كهف الأنام ملاذ الخلائق قاطبة ظل الاله جلال الحق والدين، أبو المظفر السلطان محمود جاني بك خان، خلد الله سرادق عظمته وجلاله وأدام رواء نعيم
Sayfa 6
الآمال من سجال أفضاله، فحاولت بهذا الكتاب التشبث بأذيال الاقبال، والاستظلال بظلال الرأفة والافضال، فجعلته خدمة لسدته التي هي ملتثم شفاه الأقيال ومعول رجاء الآمال ومثوى العظمة والجلال، لا زالت محط رجال الأفاضل، وملاذ أرباب الفضائل، وعون الاسلام وغوث الأنام، بالنبي وآله عليه وعليهم السلام، فجاء بحمد الله كما يروق النواظر، ويجلو صداء الأذهان، ويرهق البصائر، ويضئ لباب أرباب البيان، ومن الله التوفيق والهداية، وعليه التوكل في البداية والنهاية، وهو حسبي ونعم الوكيل.
Sayfa 7
[بسم الله الرحمن الرحيم] [الحمد] هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها، والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان، فمورد الحمد لا يكون الا اللسان ومتعلقه يكون النعمة وغيرها ومتعلق الشكر لا يكون الا النعمة ومورده يكون اللسان وغيره فالحمد أعم من الشكر باعتبار المتعلق وأخص منه باعتبار المورد والشكر بالعكس.
[لله] هو اسم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، والعدول إلى الجملة الاسمية للدلالة على الدوام والثبات، وتقديم الحمد باعتبار انه أهم نظر إلى كون المقام مقام الحمد كما ذهب إليه صاحب الكشاف في تقديم الفعل في قوله تعالى [اقرأ باسم ربك] على ما سيجئ بيانه، وان كان ذكر الله أهم نظرا إلى ذاته.
(على ما أنعم) أي على انعامه، ولم يتعرض للمنعم به ايهاما لقصور العبارة عن الإحاطة به ولئلا يتوهم اختصاصه بشئ دون شئ.
[وعلم] من عطف الخاص على العام رعاية لبراعة الاستهلال وتنبيها على فضيلة نعمة البيان (من البيان) بيان لقوله [ما لم نعلم] قدم رعاية للسجع، والبيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير والصلاة على سيدنا محمد خير من نطق بالصواب وأفضل من أوتي الحكمة هي علم الشرائع وكل كلام وافق الحق، وترك فاعل الايتاء لان هذا الفعل لا يصلح الا لله تعالى وفصل الخطاب اي الخطاب المفصول البين الذي يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه أو الخطاب الفاصل بين الحق والباطل وعلى آله أصله أهل بدليل أهيل، خص استعماله في الاشراف وأولى الخطر (الأطهار) جمع طاهر كصاحب وأصحاب وصحابته الأخيار جمع خير بالتشديد.
(اما بعد) هو من الظروف المبنية المنقطعة عن الإضافة اي بعد الحمد والصلاة، والعامل فيه اما لنيابتها عن الفعل، والأصل مهما يكن من شئ بعد الحمد
Sayfa 9
والصلاة، ومهما ههنا مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ ويكن شرط والفاء لازمة له غالبا فحين تضمنت اما معنى الابتداء والشرط لزمتها الفاء ولصوق الاسم إقامة للازم مقام الملزوم وابقاء لأثره في الجملة.
(فلما) هو ظرف بمعنى إذا يستعمل استعمال الشرط ويليه فعل ماض لفظا أو معنى (كان علم البلاغة) هو المعاني والبيان (و) علم (توابعها) هو البديع (من اجل العلوم قدرا وأدقها سرا أذبه) اي بعلم البلاغة وتوابعها لا بغيره من العلوم كاللغة والصرف والنحو (تعرف دقايق العربية وأسرارها) فيكون من أدق العلوم سرا.
(ويكشف عن وجوه الاعجاز في نظم القرآن أستارها) أي: به يعرف ان القرآن معجز لكونه في أعلى مراتب البلاغة لاشتماله على الدقائق والاسرار والخواص الخارجة عن طوق البشر وهذا وسيلة إلى تصديق النبي عليه السلام، وهو وسيلة إلى الفوز بجميع السعادات فيكون من اجل العلوم لكون معلومه وغايته من اجل المعلومات والغايات.
وتشبيه وجوه الاعجاز بالأشياء المحتجبة تحت الأستار استعارة بالكناية واثبات الأستار لها استعارة تخييلية وذكر الوجوه إيهام أو تشبيه الاعجاز بالصور الحسنة استعارة بالكناية واثبات الوجوه استعارة تخييلية، وذكر الأستار ترشيح ونظم القرآن تأليف كلماته، مترتبة المعاني، متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل لا تواليها في النطق وضم بعضها إلى بعض كيف ما اتفق.
(وكان القسم الثالث من مفتاح العلوم الذي صنفه الفاضل العلامة أبو يعقوب يوسف السكاكي أعظم ما صنف فيه) أي في علم البلاغة وتوابعها (من الكتب المشهورة) بيان لما صنف.
(نفعا) تميز من أعظم (لكونه) أي القسم الثالث (أحسنها) أي أحسن الكتب المشهورة (ترتيبا) هو وضع كل شئ في مرتبته (و) لكونه (أتمها تحريرا) هو تهذيب الكلام (وأكثرها) أي أكثر الكتب (للأصول) هو متعلق بمحذوف يفسره قوله (جمعا) لان معمول المصدر لا يتقدم عليه والحق جواز ذلك في الظروف لأنها مما يكفيه رائحة
Sayfa 10
من الفعل.
(ولكن كان) أي القسم الثالث (غير مصون) أي غير محفوظ (عن الحشو) وهو الزائد المستغنى عنه (والتطويل) وهو الزيادة على أصل المراد بلا فائدة وستعرف الفرق بينهما في باب الاطناب (والتعقيد) وهو كون الكلام مغلقا لا يظهر معناه بسهولة (قابلا) خبر بعد خبر أي كان قابلا (للاختصار) لما فيه من التطويل (مفتقرا) أي محتاجا (إلى الايضاح) لما فيه من التعقيد (و) إلى (التجريد) عما فيه من الحشو.
(الفت) جواب لما: (مختصرا يتضمن ما فيه) أي في القسم الثالث (من القواعد) جمع قاعدة وهي " حكم كلى ينطبق على جميع جزئياته ليعرف احكامها منه كقولنا كل حكم منكر يجب توكيده.
(ويشتمل على ما يحتاج إليه من الأمثلة) وهي الجزئيات المذكورة لايضاح القواعد (والشواهد) وهي الجزئيات المذكورة لاثبات القواعد فهي أخص من الأمثلة.
(ولم آل) من الألو وهو التقصير (جهدا) أي اجتهادا وقد استعمل الا لو في قولهم لا آلوك جهدا متعديا إلى مفعولين وحذف ههنا المفعول الأول والمعنى لم أمنعك جهدا (في تحقيقه) أي في المختصر يعنى في تحقيق ما ذكر فيه من الأبحاث (وتهذيبه) أي تنقيحه.
(ورتبته) أي المختصر (ترتيبا أقرب تناولا) أي أخذا (من ترتيبه) أي من ترتيب السكاكي أو القسم الثالث إضافة للمصدر إلى الفاعل أو المفعول (ولم أبالغ في اختصار لفظه تقريبا) مفعول له تضمنه معنى لم أبالغ أي تركت المبالغة في الاختصار تقريبا (لتعاطيه) أي تناوله (وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه) والضمائر للمختصر وفى وصف مؤلفه بأنه مختصر منقح سهل المأخذ تعريض بأنه لا تطويل فيه ولا حشو ولا تعقيد كما في القسم الثالث.
(وأضفت إلى ذلك) المذكور من القواعد وغيرها (فوائد عثرت) أي اطلعت (في بعض كتب القوم عليها) أي على تلك الفوائد (وزوائد لم أظفر) أي لم أفز (في
Sayfa 11
كلام أحد بالتصريح بها) أي بتلك الزوائد (ولا الإشارة إليها) بان يكون كلامهم على وجه يمكن تحصيلها منه بالتبعية وان لم يقصدوها.
(وسميته تلخيص المفتاح) ليطابق اسمه معناه (وانا اسأل الله تعالى) قدم المسند إليه قصدا إلى جعل الواو للحال (من فضله) حال من (ان ينفع به) أي بهذا المختصر (كما نفع بأصله) وهو المفتاح والقسم الثالث منه.
(انه) أي الله (ولي ذلك) النفع (وهو حسبي) أي محسبي وكافي (ونعم الوكيل) اما عطف على جملة هو حسبي والمخصوص محذوف واما على حسبي أي وهو نعم الوكيل فالمخصوص هو الضمير المتقدم على ما صرح به صاحب المفتاح وغيره في نحو زيد نعم الرجل وعلى كلا التقديرين يلزم عطف الانشاء على الاخبار.
Sayfa 12
(المقدمة) رتب المختصر على مقدمة وثلاث فنون، لان المذكور فيه اما ان يكون من قبيل المقاصد في هذا الفن، أولا. الثاني المقدمة والأول ان كان الغرض منه الاحتراز عن الخطاء في تأدية المعنى المراد فهو الفن الأول والا فان كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني والا فهو الفن الثالث.
وجعل الخاتمة خارجة عن الفن الثالث وهم كما سنبين إن شاء الله تعالى.
ولما انجر كلامه في آخر هذه المقدمة إلى انحصار المقصود في الفنون الثلاثة ناسب ذكرها بطريق التعريف العهدي بخلاف المقدمة، فإنها لا مقتضى لايرادها بلفظ المعرفة في هذا المقام والخلاف في أن تنوينها للتعظيم أو للتقليل مما لا ينبغي ان يقع بين المحصلين.
والمقدمة مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منها من قدم بمعنى تقدم يقال: مقدمة العلم لما يتوقف عليه الشروع في مسائله ومقدمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت امام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه.
وهي هيهنا لبيان معنى الفصاحة والبلاغة وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان وما يلائم ذلك ولا يخفى؟؟ ارتباط المقاصد بذلك.
والفرق بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب مما خفى على كثير من الناس.
(الفصاحة) وهي في الأصل تنبئ عن الظهور والإبانة (يوصف بها المفرد) مثل كلمة فصيحة (والكلام) مثل كلام فصيح وقصيدة فصيحة.
Sayfa 13
قيل: المراد بالكلام ما ليس بكلمة ليعم المركب الاسنادي وغيره فإنه قد يكون بيت من القصيدة غير مشتمل على اسناد يصح السكوت عليه مع أنه يتصف بالفصاحة.
وفيه نظر لأنه انما يصح ذلك لو أطلقوا على مثل هذا المركب أنه كلام فصيح ولم ينقل عنهم ذلك واتصافه بالفصاحة يجوز ان يكون باعتبار فصاحة المفردات على أن الحق انه داخل في المفرد لأنه يقال على ما يقابل المركب وعلى ما يقابل المثنى والمجموع وعلى ما يقابل الكلام ومقابلته بالكلام ههنا قرينة دالة على أنه أريد به المعنى الأخير أعني ما ليس بكلام (و) يوصف بها (المتكلم) أيضا يقال كاتب فصيح وشاعر فصيح.
(والبلاغة) وهي تنبئ عن الوصول والانتهاء (يوصف بها الأخيران فقط) أي الكلام والمتكلم دون المفرد إذ لم يسمع كلمة بليغة والتعليق بان البلاغة انما هي باعتبار المطابقة لمقتضى الحال وهي لا تتحقق في المفرد وهم لان ذلك انما هو في بلاغة الكلام والمتكلم.
وانما قسم كلا من الفصاحة والبلاغة أولا لتعذر جمع المعاني المختلفة الغير المشتركة في أمر يعمها في تعريف واحد وهذا كما قسم ابن الحاجب المستثنى إلى متصل ومنقطع ثم عرف كلا منهما على حدة.
(فالفصاحة في المفرد) قدم الفصاحة على البلاغة لتوقف معرفة البلاغة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة في تعريفها ثم قدم فصاحة المفرد على فصاحة الكلام والمتكلم لتوقفهما عليها (خلوصه) أي خلوص المفرد (من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس) اللغوي أي المستنبط من استقراء اللغة.
وتفسير الفصاحة بالخلوص لا يخلو عن تسامح لان الفصاحة تحصل عند
Sayfa 14
الخلوص.
(فالتنافر) وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها (نحو) مستشزرات في قول امرئ القيس (غدائره) أي ذوائبه جمع غديرة والضمير عائد إلى الفرع في البيت السابق (مستشزرات) أي مرتفعات أو مرفوعات يقال واستشزر أي ارتفع (إلى العلى) تضل العقاص في مثنى ومرسل تضل: أي تغيب.
العقاص: جمع عقيصة وهي الخصلة المجموعة من الشعر والمثنى المفتول يعنى ان ذوائبه مشدودة على الرأس بخيوط وان شعره ينقسم إلى عقاص ومثنى ومرسل والأول يغيب في الأخيرين والغرض بيان كثرة الشعر والضابط ههنا ان كل ما يعده الذوق الصحيح ثقيلا متعسر النطق به، فهو متنافر سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك على ما صرح به ابن الأثير في المثل السائر.
وزعم بعضهم، ان منشأ الثقل في مستشزر هو توسط الشين المعجمة التي هي من المهموسة الرخوة بين التاء التي هي من المهموسة الشديدة وبين الزاء المعجمة التي هي من المجهورة ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل.
وفيه نظر، لان الراء المهملة أيضا من المجهورة.
وقيل: ان قرب المخارج سبب للثقل المخل بالفصاحة. وان في قوله تعالى [ألم أعهد إليكم] ثقلا قريبا من المتناهي فيخل بفصاحة الكلمة، لكن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة، كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن أن يكون عربيا،.
وفيه نظر، لان فصاحة الكلمات مأخوذة في تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير، على أن هذا القائل فسر الكلام بما ليس بكلمة، والقياس على الكلام العربي ظاهر الفساد ولم سلم عدم خروج السورة عن الفصاحة، فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح بل على كلمة غير فصيحة مما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
Sayfa 15
(والغرابة) كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال (نحو) مسرج في قول العجاج ومقلة وحاجبا مزججا اي مدققا مطولا (وفاحما) أي شعرا اسود كالفحم (ومرسنا) أي آنفا (مسرجا أي كالسيف السريجي في الدقة والاستواء) وسريج اسم قين تنسب إليه السيوف (أو كالسراج في البريق) واللمعان.
فان قلت: لم لم يجعلوه اسم مفعول من سرج الله وجهه اي بهجة وحسنه.
قلت: هو أيضا من هذا القبيل أو مأخوذ من السراج على ما صرح به الامام المرزوقي رحمه الله تعالى حيث قال السريجي منسوب إلى السراج، ويجوز ان يكون وصفه بذلك لكثرة مائه وورقه، حتى كان فيه سراجا.
ومنه ما قيل: سرج الله امرك إلى أي حسنه ونوره.
(والمخالفة) ان تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات الألفاظ الموضوعة، أعني على خلاف ما ثبت عن الواضع (نحو) الأجلل بفك الادغام في قوله (الحمد لله العلي الأجلل) والقياس الاجل بالادغام، فنحو آل وماء وأبى يأبى وعور يعور فصيح لأنه ثبت عن الواضع كذلك.
(قيل): فصاحة المفرد خلوصه مما ذكر (ومن الكراهة في السمع) بان يكون اللفظة بحيث يمجها السمع ويتبرأ عن سماعها (نحو) الجرشي في قول أبي الطيب مبارك الاسم أغر اللقب (كريم الجرشي) أي النفس (شريف النسب) والأغر من الخيل الأبيض الجبهة ثم استعير لكل واضح معروف.
(وفيه نظر) لان الكراهة في السمع انما هي من جهة الغرابة المفسرة بالوحشية، مثل تكأكأتم وافرنقعوا ونحو ذلك.
وقيل: لان الكراهة في السمع وعدمها يرجعان إلى طيب النغم وعدم الطيب لا إلى نفس اللفظ.
وفيه نظر للقطع باستكراه الجرشي دون النفس مع قطع النظر عن النغم.
(و) الفصاحة (في الكلام خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها) هو حال من الضمير في خلوصه واحترز به عن مثل زيدا
Sayfa 16
جلل وشعره مستشزر وأنفه مسرج.
وقيل: هو حال من الكلمات ولو ذكره بجنبها لسلم من الفصل بين الحال وذيها بالا جنبي.
وفيه نظر لأنه حينئذ يكون قيدا للتنافر لا للخلوص ويلزم ان يكون الكلام المشتمل على تنافر الكلمات الغير الفصيحة فصيحا، لأنه يصدق عليه انه خالص عن تنافر الكلمات حال كونها فصيحة فافهم.
(فالضعف) ان يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي المشهور بين الجمهور كالاضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما (نحو ضرب غلامه زيدا).
(والتنافر) ان تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وان كان كل منها فصيحة (كقوله وليس قرب قبر حرب) وهو اسم رجل (قبر) وصدر البيت " وقبر حرب بمكان قفر " اي خال عن الماء والكلاء، ذكر في عجائب المخلوقات ان من الجن نوعا يقال له الهاتف فصاح واحد منهم على حرب بن أمية فمات فقال ذلك الجني هذا البيت (وكقوله " كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي، وإذا ما لمته لمته وحدي ") والواو في الورى للحال، وهو مبتدأ وخبره قوله معي.
وانما مثل بمثالين لان الأول متناه في الثقل والثاني دونه، أو لان منشأ الثقل في الأول نفس اجتماع الكلمات وفى الثاني حروف منها، وهو في تكرير أمدحه، دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء، لوقوعه في التنزيل، مثل فسبحه، فلا يصح القول بان مثل هذا الثقل مخل بالفصاحة.
وذكر الصاحب إسماعيل بن عباد انه أنشد هذه القصيدة بحضرة الأستاذ ابن العميد، فلما بلغ هذا البيت قال له الأستاذ هل تعرف فيه شيئا من الهجنة؟ قال: نعم مقابلة المدح باللوم، وانما يقابل بالذم أو الهجاء، فقال: الأستاذ غير هذا أريد، فقال:
لا أدري غير ذلك.
فقال الأستاذ: هذا التكرير في أمدحه أمدحه مع الجمع بين الحاء والهاء، وهما من حروف الحق خارج عن حد الاعتدال نافر كل التنافر فأثنى عليه
Sayfa 17
الصاحب.
(والتعقيد) أي كون الكلام معقدا (ان لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل) واقع (اما في النظم) بسبب تقديم أو تأخير أو حذف أو غير ذلك، مما يوجب صعوبة فهم المراد (كقول الفرزدق في خال هشام) بن عبد الملك، وهو ابن إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي (وما مثله في الناس الا مملكا * أبو أمه حتى أبوه يقاربه) أي ليس مثله في الناس (حي يقاربه) أي أحد يشبهه في الفضائل (الا مملك) أي رجل أعطى الملك والمال يعنى هشاما (أبو أمه) أي أبو أم ذلك الملك (أبوه) أي أبو إبراهيم الممدوح أي لا يماثله أحد الا ابن أخته وهو هشام.
ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حي، وبين الموصوف والصفة، أعني حي يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه، وتقديم المستثنى أعني مملكا على المستثنى منه أعني حي وفصل كثير بين البدل وهو حي والمبدل منه وهو مثله، فقوله مثله اسم ما وفى الناس خبره والا مملكا منصوب لتقدمه على المستثنى منه.
قيل ذكر ضعف التأليف يغنى عن ذكر التعقيد اللفظي.
وفيه نظر، لجواز ان يحصل التعقيد باجتماع عدة أمور موجبة لصعوبة فهم المراد، وان كان كل واحد منها جاريا على قانون النحوي.
وبهذا يظهر فساد ما قيل: انه لا حاجة في بيان التعقيد في البيت إلى ذكر تقديم المستثنى على المستثنى منه، بل لا وجه له، لان ذلك جائز باتفاق النحاة، إذ لا يخفى انه يوجب زيادة التعقيد وهو مما يقبل الشدة والضعف.
(واما في الانتقال) عطف على قوله: (اما في النظم) أي لا يكون الكلام ظاهرة الدلالة على المراد، لخلل واقع في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى الثاني المقصود، وذلك بسبب ايراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة مع خفاء القرائن الدالة على المقصود (كقول الاخر) وهو عباس بن الأحنف ولم يقل
Sayfa 18
كقوله لئلا يتوهم عود الضمير إلى الفرزدق.
(سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب) بالرفع، وهو الصحيح وبالنصب وهم (عيناي الدموع لتجمدا) جعل سكب الدموع كناية عما يلزمه فراق الأحبة من الكآبة والحزن وأصاب، لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه دوام التلاقي من الفرح والسرور (فان الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع) حال إرادة البكاء، وهي حالة الحزن (لا إلى ما قصده من السرور) الحاصل بالملاقاة.
ومعنى البيت: انى اليوم أطيب نفسا بالبعد والفراق وأوطنها على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرع غصصها وأتحمل لاجلها حزنا يفيض الدموع من عيني لا تسبب بذلك إلى وصل يدوم ومسرة لا تزول، فان الصبر مفتاح الفرج ولكل بداية نهاية، ومع كل عسر يسرا والى هذا أشار الشيخ عبد القاهر في دلائل الاعجاز.
وللقوم ههنا كلام فاسد أوردناه في الشرح.
(قيل): فصاحة الكلام خلوصه مما ذكر (ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كقوله) وتسعدني في غمرة بعد غمرة (سبوح): أي فرس حسن الجري لا تتعب راكبها كأنها تجرى في الماء (لها) صفة سبوح.
(منها) حال من شواهد (عليها) متعلق بشواهد (شواهد) فاعل الظرف أعني لها يعنى ان لها من نفسها علامات دالة على نجابتها.
قيل التكرار ذكر الشئ مرة بعد أخرى ولا يخفى انه لا يحصل كثرة بذكره ثالثا.
وفيه نظر، لان المراد بالكثرة ههنا ما يقابل الوحدة ولا يخفى حصوله بذكره ثالثا.
(و) تتابع الإضافات مثل (قوله " حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي)، فأنت بمرأى من سعاد ومسمع ".
ففيه إضافة حمامة إلى جرعى وجرعي إلى حومة وحومة إلى الجندل.
Sayfa 19
والجرعى تأنيث الأجرع قصرها للضرورة، وهي: ارض ذات رمل لا تنبت شيئا، والحومة معظم الشئ، والجندل ارض ذات حجارة، والسجع هدير الحمامة ونحوه.
وقوله: فأنت بمرأى أي بحيث تراك سعاد وتسمع صوتك. يقال: " فلان بمرأى منى ومسمع أي بحيث أراه واسمع قوله " كذا في الصحاح.
فظهر فساد ما قيل إن معناه أنت بموضع ترين منه سعاد وتسمعين كلامها وفساد ذلك مما يشهد به العقل والنقل.
(وفيه نظر) لان كلا من كثرة التكرار وتتابع الإضافات ان ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر والا فلا يخل بالفصاحة، كيف وقع في التنزيل مثل دأب قوم نوح، كذلك ذكر رحمة ربك عبده زكريا، ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها.
(و) الفصاحة (في المتكلم ملكة) وهي كيفية راسخة في النفس والكيفية عرض لا يتوقف تعلقه على تعقل الغير، ولا يقتضى القسمة واللاقسمة في محله اقتضاء أوليا.
فخرج بالقيد الأول الاعراض النسبية مثل الإضافة أو الفعل والانفعال ونحو ذلك، وبقولنا، لا يقتضى القسمة الكميات، وبقولنا واللاقسمة النقطة والوحدة، وقولنا أوليا ليدخل فيه مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاقسمة.
فقوله: ملكة اشعار بأنه لو عبر عن المقصود بلفظ فصيح لا يسمى فصيحا في الاصطلاح ما لم يكن ذلك راسخا فيه.
وقوله: (يقتدر بها على التعبير عن المقصود) دون ان يقول يعبر، اشعار بأنه يسمى فصيحا إذا وجد فيه تلك الملكة، سواء وجد التعبير أو لم يوجد.
وقوله: (بلفظ فصيح) ليعم المفرد والمركب، اما المركب فظاهر. واما المفرد فكما تقول عند التعداد دار غلام جارية ثوب بساط إلى غير ذلك.
(والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته): أي فصاحة الكلام، والحال هو الامر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدى به أصل
Sayfa 20
المراد خصوصية ما، وهو مقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضى تأكيد الحكم، والتأكيد مقتضى الحال، وقولك له ان زيدا في الدار مؤكدا بان كلام مطابق لمقتضى الحال.
وتحقيق ذلك أنه جزئي من جزئيات ذلك الكلام، الذي يقتضيه الحال، فان الانكار مثلا يقتضى كلاما مؤكدا، وهذا مطابق له، بمعنى انه صادق عليه على عكس ما يقال: ان الكلي مطابق للجزئيات.
وان أردت تحقيق هذا الكلام فارجع إلى ما ذكرناه في الشرح في تعريف علم المعاني (وهو): أي مقتضى الحال (مختلف فان مقامات الكلام متفاوتة) لأن الاعتبار اللائق بهذا المقام يغاير الاعتبار اللائق بذاك، وهذا عين تفاوت مقتضيات الأحوال، لان التغاير بين الحال والمقام انما هو بحسب الاعتبار، وهو انه يتوهم في الحال، كونه زمانا لورود الكلام فيه وفي المقام كونه محلا له.
وفي هذا الكلام إشارة إجمالية إلى ضبط مقتضيات الأحوال وتحقيق لمقتضى الحال.
(فمقام كل من التنكير والاطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه): أي مقام خلاف كل منها يعنى ان المقام الذي يناسبه تنكير المسند إليه أو المسند، يباين المقام الذي يناسبه التعريف، ومقام اطلاق الحكم أو التعليق أو المسند إليه أو المسند أو متعلقه يباين مقام تقييده بمؤكد، أو أداة قصر أو تابع أو شرط أو مفعول أو ما يشبه ذلك، ومقام تقديم المسند إليه أو المسند أو متعلقاته، يباين مقام تأخيره، وكذا مقام ذكره يباين مقام حذفه، فقوله خلافه شامل لما ذكرناه.
وانما فصل قوله (ومقام الفصل يباين مقام الوصل) تنبيها على عظم شان هذا الباب، وانما لم يقل مقام خلافه لأنه أحصر وأظهر، لان خلاف الفصل انما هو الوصل، وللتنبيه على عظم شان الفصل قوله (ومقام الايجاز يباين مقام خلافه) أي الاطناب والمساواة (وكذا خطاب الذكي مع خطاب الغبي) فان مقام الأول يباين مقام الثاني فان الذكي يناسبه من الاعتبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة الخفية ما لا
Sayfa 21
يناسب الغبي.
(ولكل كلمة مع صاحبتها) أي مع كل كلمة أخرى مصاحبة لها (مقام) ليس لتلك الكلمة مع ما يشارك تلك المصاحبة في أصل المعنى، مثلا الفعل الذي قصد اقترانه بالشرط، فله مع أن مقام ليس له مع إذا وكذا الكل من أدوات الشرط مع الماضي مقام ليس له مع المضارع وعلى هذا القياس (وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه) أي انحطاط شانه (بعدمها) أي بعدم مطابقته للاعتبار المناسب.
(والمراد بالاعتبار المناسب الامر الذي اعتبره المتكلم مناسبا بحسب السليقة أو بحسب تتبع تراكيب البلغاء، يقال اعتبرت الشئ، إذا نظرت إليه وراعيت حاله) وأراد بالكلام، الكلام الفصيح وبالحسن، الحسن الذاتي الداخل في البلاغة دون العرضي الخارج لحصوله بالمحسنات البديعية (فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب) للحال والمقام، يعنى إذا علم أن ليس ارتفاع شأن الكلام الفصيح في الحسن الذاتي الا بمطابقته للاعتبار المناسب على ما يفيده إضافة المصدر.
ومعلوم انه انما يرتفع بالبلاغة التي هي عبارة عن مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فقد علم أن المراد بالاعتبار المناسب ومقتضى الحال واحد، والا لما صدق انه لا يرتفع الا بالمطابقة للاعتبار المناسب، ولا يرتفع الا بالمطابقة لمقتضى الحال فليتأمل.
(فالبلاغة) صفة (راجعة إلى اللفظ) يعنى انه يقال: كلام بليغ لكن لا من حيث إنه لفظ وصوت، بل (باعتبار إفادته المعنى) أي الغرض المصوغ له الكلام (بالتركيب) متعلق بافادته، وذلك لان البلاغة كما مر عبارة عن مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فظاهر ان اعتبار المطابقة وعدمها انما يكون باعتبار المعاني والأغراض التي يصاغ لها الكلام، لا باعتبار الألفاظ المفردة والكلم المجردة.
(وكثيرا ما) نصب على الظرف لأنه من صفة الأحيان وما لتأكيد معنى الكثرة والعامل فيه.
Sayfa 22
قوله: (يسمى ذلك) الوصف المذكور (فصاحة أيضا) كما يسمى بلاغة، فحيث يقال: أن إعجاز القرآن من جهة كونه في أعلى طبقات الفصاحة يراد بها هذا المعنى. (ولها) أي لبلاغة الكلام (طرفان: أعلى وهو حد الاعجاز) وهو ان يرتقى الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر، ويعجزهم عن معارضته.
(وما يقرب منه) عطف على قوله وهو والضمير في منه عائد إلى أعلى، يعنى ان الأعلى مع ما يقرب منه كلاهما من حد الاعجاز، هذا هو الموافق لما في المفتاح.
وزعم بعضهم انه عطف على حد الاعجاز والضمير في منه عائد إليه، يعنى ان الطرف الأعلى هو حد الاعجاز، وما يقرب من حد الاعجاز.
وفيه نظر لان القريب من حد الاعجاز لا يكون من الطرف الأعلى الذي هو حد الاعجاز وقد أوضحنا ذلك في الشرح.
(وأسفل وهو ما إذا غير) الكلام (عنه إلى ما دونه) أي إلى مرتبة أخرى هي أدنى منه وانزل (التحق) الكلام وان كان صحيح الاعراب (عند البلغاء بأصوات الحيوانات) تصدر عن محالها بحسب ما يتفق، من غير اعتبارات اللطائف والخواص الزائدة على أصل المراد (وبينهما) أي بين الطرفين (مراتب كثيرة) متفاوتة بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الاعتبارات، والبعد من أسباب الاخلال بالفصاحة (وتتبعها) أي بلاغة الكلام (وجوه اخر) سوى المطابقة.
والفصاحة (تورث الكلام حسنا) وفي قوله (تتبعها) إشارة إلى أن تحسين هذه الوجوه للكلام عرضي خارج عن حد البلاغة ، والى ان هذه الوجوه انما تعد محسنة بعد رعاية المطابقة، والفصاحة وجعلها تابعة لبلاغة الكلام دون المتكلم لأنها ليست مما تجعل المتكلم متصفا بصفة.
(و) البلاغة (في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم) مما تقدم (ان كل بليغ) كلا ما كان أو متكلما على سبيل استعمال المشترك في معنييه، أو على تأويل كل ما يطلق عليه لفظ البليغ (فصيح) لان الفصاحة مأخوذة في تعريف
Sayfa 23
البلاغة مطلقا (ولا عكس) بالمعنى اللغوي: أي ليس كل فصيح بليغا، لجواز ان يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال، وكذا يجوز ان يكون لأحد ملكة يقتدر بها التعبير عن المقصود بلفظ فصحيح من غير مطابقة لمقتضى الحال.
(و) علم أيضا (ان البلاغة) في الكلام (مرجعها) أي ما يجب ان يحصل حتى يمكن حصولها، كما يقال مرجع الجود إلى الغنى (إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) والا لربما أدى المعنى المراد بلفظ فصيح، غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا (والى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) والا لربما أورد الكلام المطابق لمقتضى الحال بلفظ غير فصيح، فلا يكون أيضا بليغا لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة، ويدخل في تمييز الكلام الفصيح من غيره تمييز الكلمات الفصيحة من غيرها لتوقفه عليها.
(والثاني) أي تمييز الفصيح من غيره (منه) أي بعضه (ما يبين) أي يوضح (في علم متن اللغة) كالغرابة.
وانما قال في علم متن اللغة أي معرفة أوضاع المفردات لان اللغة أعم من ذلك لأنه يطلق على سائر أقسام العربية، يعنى به يعرف تمييز السالم من الغرابة عن تمييز غيره، بمعنى ان من تتبع الكتب المتداولة وأحاط بمعاني المفردات المأنوسة علم أن ما عداها مما يفتقر إلى تنقير أو تخريج، فهو غير سالم من الغرابة.
وبهذا تبين فساد ما قيل إنه ليس في علم متن اللغة ان بعض الألفاظ مما يحتاج في معرفته إلى أن يبحث عنه في الكتب المبسوطة في اللغة (أو) في علم (التصريف) كمخالفة القياس إذ به يعرف ان الأجلل مخالف (للقياس) دون الاجل (أو في علم النحو) كضعف التأليف والتعقيد اللفظي (أو يدرك بالحس) كالتنافر، إذ به يعرف ان مستشزرا متنافر دون مرتفع.
وكذا تنافر الكلمات (وهو) أي ما يبين في العلوم المذكورة أو ما يدرك بالحس، فالضمير عائد إلى ما، ومن زعم أنه عائد إلى ما يدرك بالحس فقدسها سهوا ظاهرا.
(ما عد التعقيد المعنوي) إذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحس تمييز السالم من
Sayfa 24