أراد زرقاء اليمامة وهي امرأة يضرب بها المثل في حدة البصر، وكانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، فنظرت إلى حمام بين جبلين تطير من بعد تسرع إلى الثمد، وهو الماء القليل، فلما وردت الماء فإذا هو ست وستون.
قوله تعالى:
{فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}
اختلف ما أريد بالصوم، فقيل: السكوت عن الكلام، وقيل: الصوم الشرعي، لكنهم كانوا لا يتكلمون وهم صيام، وهذا كان في شريعتهم.
أما في شرعنا :فقد نسخ؛ لأنه نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم الصمت، وفي الحديث: ((لا صمات في الإسلام)) فتكون الآية دالة على صحة النذر بالصوم الشرعي.
وأما النذر بالسكوت :فمنسوخ أي وجوبه، فلو نذر به فقد يكون محظورا إذا وجب الكلام كرد السلام، وواجبا إذا كان الكلام محظورا فيلزم الوفاء به، وقد يكون مباحا فيبطل نذره عند أبي العباس , وأبي طالب ، وعند المؤيد بالله إذا لم يف به كفر.
وإنما أمرت بالسكوت لأمرين:
الأول: أن عيسى صلى الله عليه يكفيها الكلام بما تبرأ به ساحتها.
والثاني: كراهة مجادلة السفهاء.
قال جار الله: وفيه دلالة أن السكوت عن السفهاء واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها.
وقال رجل لبعض السلف: لو قلت واحدة لسمعت عشرا، فقال: ولو قلت أنت عشرا لما سمعت واحدة.
قال جار الله: ما قرع السفيه بمثل الإعراض، ولا أطلق عنانة بمثل العراض، وهذا يصدقه قوله تعالى: {وأعرض عن الجاهلين}
شعرا:
رجعت على السفيه بفضل حلمي
كأن الحلم صار له لجاما
فظن بي السفاه فلم يجدني
أسافهه وقلت له سلاما
فقام يجر رجليه ذليلا
وقد كسب اللآمة والملاما
وفضل الحلم أبلغ في سفيه
وأحرى أن ينال به انتقاما
قوله تعالى:
Page 198