وقد غادر سمو الرأس تفري مصر إلى أوربا؛ ليقف بنفسه على الحضارة الأوربية ويفض المشاكل القائمة الآن بين بلاده وبعض دول أوربا.
وقد رأينا أن نأتي هنا بلمحة عن الحبشة وأهلها خدمة للتاريخ فنقول:
الحبشة وأهلها
الحبشة الآن هي جزء من إثيوبيا القديمة التي كان يعد السودان جزءا منها، وآثار الأثيوبيين لا تزال توجد في السودان، وقد غزا بعض ملوكهم مصر وحكموها مدة كما غزوا أيضا اليمن وحكموها مدة غير قليلة، فحضارة الأثيوبيين القديمة فيها مزيج من حضارة مصر وحضارة العرب القديمتين، واتصال الحبشة الحديثة بكلتا البلادين - مصر وجزيرة العرب - شديد فمعظم التجار في الحبشة من العرب، والكنيسة الحبشية هي فرع من الكنيسة القبطية، يعين البطريرك القبطي أسقفها الذي يمسح قسوسها وملوكها، ووزير معارفها شاب قبطي.
وسكان الحبشة يبلغون ثمانية ملايين والحكومة مطلقة فيها شيء شبيه بالشورى؛ لأن النجاشي يستشير مجلس الرءوس، وهؤلاء الرءوس أمراء مطلقون في إمارتهم، والرق منتشر عندهم، والبلاد جبلية، والزراعة تزكوا هناك لكثرة الأمطار، ولكن جهل السكان يمنع ترقيتها، فالقطن ينمو بريا ولا يزرعه أحد، وكذلك قصب السكر والنخل والكرم كلها تنمو في الجبال، ولا يزرعها إلا القليل من الأهالي، وأكبر مدن الحبشة هرر وعد سكانها 50000، وفي البلاد سكة حديد واحدة، وتصل أديس أبابا ببعض البلاد الداخلية خطوط تلفونية وتلغرافية.
وأعظم من عرف حديثا من إمبراطورة الحبشة منليك، الذي توفي سنة 1913م ولم يكن له وارث، فتعين أحد أولاد إخوته المدعو ياسو «يسوع» إمبراطورا، وكان هذا الشاب طائشا فلما حدثت الحرب الكبرى انضم إلى الأتراك وأعلن أنه مسلم، وحاول أن يجعل الإسلام ديانة البلاد الرسمية، فهاج عليه الناس هياجا كبيرا وخلعوه في سنة 1916م، ثم عينت ابنة منليك إمبراطورة، وتعين الرأس تفري ولي عهد، أما ياسو هذا فأسير الآن عند الرأس تفري.
وقد كتب أحد الإنكليز الذين عاشوا في الحبشة مدة طويلة يذكر عاداتهم، ومما قاله: أنهم يأكلون في حفلاتهم الرسمية اللحم نيا، وليس فيهم من لا توجد الدودة الوحيدة في بطنه لهذا السبب، وهم يشربون نوعا من النبيذ المصنوع من خمير العسل، وإذا جرع الإنسان منه جرعة طارت إلى الرأس وفعلت فعلها.
ومن علامات الشرف في أنحاء البلاد التي لا تصل إليها أيدي الحكومة أن يقتل الإنسان عددا من الرجال، ومن يقتل أسدا أو فيلا عد من عظام الرجال، وأسد الحبشة ليس جريئا، ولكن الفيل ذكي يعرف البندقية فيميز العدو من الولي.
ومناظر الطبيعة في الحبشة تختلف من صحاري قاحلة إلى جبال وسهول تغطيها الخضرة، وليس لأنهارها جسور فيضطر السائر إلى العبور سباحة، ويكون طول ذلك الوقت تحت رحمة التماسيح وأفراس النهر والعلق.
وشر ما في الحبشة ذبابها فهو يطير سحائب تغطي الأشخاص، وهو يكثر لتلك العادة الفاشية بين الأحباش في تطرية شعرهم بالدهن، وأمراض العيون فاشية لهذا السبب.
Unknown page