328

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Genres

ومقام المرأة غاية في الضعة، فالزوج يشتريها من أهلها بعدد من الخراف أو الماشية يتفق وجمالها، وكثيرا ما تقرن المرأة إلى بقرة تجران الاثنتان محراثا، والزوج في الخلف يحمل سوطه يقعقع به وراءهما.

وكنائس الحبش تبنى من الطين والقش، وهي مستديرة والقداس يقوم به الكهنة في وسط الكنيسة والناس حولهم جلوس، ويأخذ الكهنة في الترتيل والرقص ودق الطبل ويتحركون في كل ذلك حركات توهم الناظر أنهم يطعنون ثعبان أو يقتلون وحشا بحربة في أيديهم، ونحو خمس رجال الحبشة البالغين قسوس أو شمامسة، ومع ذلك قد تسربت إلى المسيحية هناك جملة عادات وثنية، بل بلغ من ضعف المسيحية أن كان تتغلب عليها اليهودية، ومن التقاليد المرعية الآن احترام يوم السبت كما يحترمون أيضا يوم الأحد، وعندهم نحو 150 عيدا في السنة، وهم إجمالا يكرهون المرسلين الدينيين، ومن أقوال أحد أمبراطرتهم: «إن الأوربيين يرسلون إلينا أولا مرسليهم ثم قناصلهم ثم جنودهم».

والحبشة كما يدل على ذلك اسمها مزيج من جملة شعوب أهمها شعوب الشمال، وهي تشبه في الملامح سكان شمال أفريقيا، وهم خفيفو السمرة ويتكلمون لغة سامية تسمى الأمهرية، ونساؤهم على شيء من الجمال، ويلي الأمهريين شعب آخر يدعى الجالا، وفي الحبشة عدد غير قليل من العرب المسلمين واليهود.

ومقام الرجل هناك يعرف من عدد أتباعه، فالأمير الكبير لا يركب فرسه أو بغلته إلا وهو متبوع بنحو مائة رجل من الخدم يحملون أسلحته وأمتعته، أما الموظف الصغير فيكفيه تابعان أو ثلاثة.

الحبش وعلاقتهم بالقبط

اختلط القبط (أي: المصريين) بالحبش من قبل زمان النصرانية اختلاطا، أدى إلى اعتقاد المؤرخين القدماء بأن المصريين والحبش من أصل واحد لتشابه الجماجم؛ ولأن التوراة تشير إلى ذلك إذ تقول عن المصريين: إنهم أبناء مصرايم بن حام (تك 10: 6) وكوش الذي ينسب إليه الحبش هو أخو مصرايم، حتى لقد اعتقد الكثير أن «كيمي» اسم مصر بالقبطية مأخوذ من حام أبي المصريين والحبش.

ومما ذكره المؤرخون أن جماعة الأتومولة المصريين قد هجروا مصر في أيام بسماتيك الملك وذهبوا إلى بلاد الحبشة، والعلاقة قديمة جدا للمجاورة، وقد ذهب متى الإنجيلي مبشرا هناك، وترك إنجيله مكتوبا بخط يده عند اليهود المتوطنين هناك الذين يقولون عن أنفسهم إنهم من نسل سليمان، والذين أرسلهم إلى هناك مع ابنه من سبأ ملكة التيمن؛ ولغاية الآن يعتقدون أن عندهم تابوت العهد في أكسوم، أخذه منليك الأول من أبيه سليمان الحكيم، وقد ذهب نتينوس معلم مدرسة الإسكندرية، فتمكن من أخذ إنجيل متى وقد استحضره إلى الإسكندرية.

وقد ظلت بلاد الحبشة على حالها حتى أوائل القرن الرابع المسيحي أو القرن الأول للشهداء، ولكن أثناسيوس الرسولي بطل الأرثوذكسية قد وجه التفاته إلى تلك البلاد لعلمه بالرابطة القومية، فتمكن من إرسال مطران عليها يدعى فرومنتيوس، وهو أول مطران في سنة 330م.

وقد اختلفوا في الكيفية التي توصل بها إلى إرسال هذا المطران، فقال بعض المؤرخين: إن أخوين كانا مع صوري في مركب تمخر في البحر الأحمر، فاحتاجت إلى مياه، فعرجت على سواحل الحبش، فأجهز جماعة الحبشان على من فيها، وهرب الشبان فقادوهما إلى النجاشي الذي جعل أحدهما ساقيه، والآخر أمينا لخزانته، وبعد موته اهتما بأولاده اهتماما عظيما، فكافأهما خليفته بعد أن أبلغ رشده بإطلاق سراحهما، وقيل: إنه طلب منهما أن يعمداه ويتوليا أمر حراسة الدين الذي تعب في غرسه، فواعداه بأن يخبرا بطريرك الإسكندرية، ولما أطلق سراحهما ذهب أحدهما إلى صور، فكان هناك قسيسا كبيرا أما الآخر وهو المدعو فرومنيتوس فقصد الإسكندرية، وتقابل مع بطل الأرثوذكسية أثناسيوس الذي بعد أن أرشده رسمه أسقفا، وأعاده إلى تلك البلاد مع جماعة ليكونوا له مساعدين وكان ذلك حوالي سنة 330م.

ولما كانت علاقة الأحباش بالقبط قديمة جدا، وأنهم لا يعرفون أن الكنيسة القبطية أمهم، طلبوا منها توسيع دائرة الرياسة الدينية هناك، وعليه فقد انتقوا مطرانا وثلاثة أساقفة تحت يده، ولم يبق منهم إلا نيافة الأنبا متاؤس الحالي الذي وضعنا صورته، وترجمته الشريفتين في غير هذا المكان، وقد أصبح هو المطران الوحيد هناك أو بالحري هو الرئيس الديني الأكبر في بلاد الحبش.

Unknown page