331

Al-irth al-khafī: Rūkāmbūl (al-juzʾ al-awwal)

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Genres

وكانت باكارا قبل ذلك بساعة مختلية مع الكونت أرتوف، فكانت تقول له: إني لم أكن أثق بالتنويم المغناطيسي فبات لي الآن به ثقة شديدة، وذلك لأني قد وقفت به على أسرار غريبة بفضل تلك الفتاة اليهودية التي ألقتها الصدفة بين يدي، فإني علمت منها منذ خمسة أيام أن شاروبيم قد ذهب إليك وفاوضك بأمر تجديد الرهان، ولولاها ما تمكنت من إنقاذ ليون وفرناند الذي طالما أحببته، ولا بد أن تكون قد علمت الآن لماذا حكمت على شاروبيم منذ أول يوم لقيته فيه بأنه رجل خائن لا يستأهل الإشفاق. والآن فإني غير مستائة من هذا الرجل لأنه قد راهن علي، فإن ماضي حياتي يستوجب مثل هذه الإهانة، إلا أنني علمت من هذا التنويم أنه يطارد امرأة شريفة، وأنه لا بد له من إعدامها إذا لم أتداركه، إلا أني لا أعلم شيئا من قصده، وهو ما أذوب تلهفا لمعرفته، ولا بد من معرفته مهما كلفني الأمر. - اطمئني فسنقف على حقيقة هذا السر. - إن ذلك لا يتيسر لنا إلا إذا حملناه على شراء حياته. - هو الحق ما تقولين، وسنرى في شأنه، لكني ألتمس منك إجابتي إلى سؤال، وهو أن تخبريني عن الرجل الذي نجا من قبضتنا أمس .

فتنهدت باكارا وقالت: إنه رسول جهنم على الأرض، وعندي أنه هو الذي يدير جميع هذه الفتن والدسائس، ولكني لم أجد سبيلا إلى إظهاره، فإنه يبالغ في الخفاء والتنكر إلى حد يستحيل معه على الأبالسة نفسها أن تعرفه. وإنما كتمت أمره لأني لو بحت بسره لما صدقني أخوه ولا أحد من الناس، فقد اشتهر بتوبته الكاذبة، وبالغ بالمظاهرة في التزهد والتقشف، حتى بات يحسبه الجميع أنه مثال التقوى والصلاح، وما هو بالحقيقة غير شيطان بزي إنسان.

ثم جعلت تقص عليه جميع ما مر بنا من أحاديث أندريا في روايتنا الأولى، إلى أن أتت على ذكر جميع مكائده، فذعر الكونت وقال: أأنت واثقة من أن أسيرنا بالأمس كان هو بعينه؟ - كل الثقة، فإنه يتنكر على جميع الناس دوني؛ لأني أعرفه من عينيه، ولو بقي في قبضتنا أمس لذهبت به مكبلا إلى أخيه، وجعلته يعترف أمامه بتوبته الكاذبة. - لا تيأسي من الظفر به، فإن الأيام بيننا ولا بد لنا من القبض عليه متلبسا بجناية من الجنايات، فنحمله على الاعتراف بجرائمه كرها، ونريح أخاه من مكره.

وفيما هما على ذلك إذ دقت الساعة مؤذنة بانتصاف الليل، وكان الكونت قد أخبرها بما دار بينه وبين شاروبيم، فدفعته إلى الغرفة المجاورة وقد سمعت وقع أقدام شاروبيم على السلم وقالت: هو ذا قد أتى، فاختبئ إلى أن نرى ما يكون؟

وبعد لحظة طرق الباب ودخل شاروبيم، فتظاهرت باكارا بالانذهال لرؤياه وقالت باسمة: كيف تزورني دون إذني؟

فاختلج فؤاد شاروبيم وخطر في باله ذلك الكتاب، وقد خشي أن يكون الكونت قد زوره ليبعث به ويظفر بالرهان دونه، ولكنه تجلد ودنا باسما من باكارا، فقبل يدها وهو يقول: ألعلي عصيت أوامرك؟ - نعم، ألم أقل لك أول أمس أني لا أريد أن تزورني قبل ثلاثة أيام، فكيف زرتني قبل انقضاء هذا الأجل؟

فجلس شاروبيم أمامها وقال: ما أجملك بهذا التصنع والتكلف؟ - أأنا أتكلف؟ - نعم، أليس هذا الكتاب منك؟

فأخذت باكارا الرسالة وقالت له بمنتهى السذاجة: ومن كتب إليك هذا الكتاب ؟ - أنت. - كلا، فإني لم أخط حرفا منه. - ولكنك أمليته.

فلم ترد وابتسمت، فكان ابتسامها نصف إقرار، فتنهد شاروبيم تنهد الفرح ووثق في الحال من كسب الرهان، وعند ذلك خطرت في باله زجاجة العطر التي أعطاه إياها روكامبول، فأخرجها من جيبه وقال أسألك أن تأذني لي بتقديم هذه الهدية العطرية، فإنها من خير العطور النادرة.

فأخذتها باكارا وجعلت تقلبها بين يديها على نور المصباح ثم قالت له: ما عسى أن يكون هذا العطر؟ - هو عطر هندي ذو رائحة عجيبة يندر وجود مثلها في هذه البلاد.

Unknown page