واصفر وجه الكونت وجعل ينظر إلى أندريا نظر المستطلع، فاستطرد أندريا الحديث قائلا: إن هذه الأرملة التي كانت زوجة عطار ستغدو زوجة دوق وتحمل اسم أسرتك بعد شهر، وأنا أعلم أنك تتوقع ذلك منذ عهد بعيد، غير أني أرجوك أن لا تنظر إلي هذه النظرات، وأن تصغي إلى النهاية لأني لك من المخلصين.
واستبشر الكونت خيرا بحديثه وقال: قل إني مصغ إليك. - إنك وريث الدوق الوحيد وهو ذو ثروة واسعة، فإذا تزوج هذه الأرملة انتهت الثروة إليها، غير أني أعرف رجلا يستطيع منع هذا الزواج وإبقاء الثروة لوريثها الشرعي.
فاصفر وجه الكونت وقال: من هذا الرجل؟ - هو أنا يا سيدي.
وعند ذلك دخل أحد الخدم وصاح معلنا قدوم فرناند وامرأته حسب عادة الإفرنج في الحفلات الكبيرة.
9
واختلج فؤاد أندريا عندما نظر فرناند وهرمين، غير أنه ما لبث أن عاد إلى رشده دون أن ينتبه إليه الكونت، أما الكونت فإنه اندهش لما قاله له أندريا وقال له: أنت تستطيع إبقاء إرثي؟ - نعم، إذا وافقتني فيما أريد. - لا بد أن يكون لك شروط، فاقترح ما تشاء.
وابتسم أندريا وقال له: أخبرك قبل كل شيء أني لا أريد منك درهما من مالك، على أنك لو طلب إليك أن تدفع مليونا مقابل حصولك على إرث الدوق، أما كنت تدفع المليون؟ - أدفعه بملء الرضى. - إذن، اطمئن فإني لا أسألك مالا كما قلت، واعلم أن هذا الدوق الذي سترثه رجل شيخ، وقد تمكن الغرام من قلبه الضعيف حتى أصبح كل حياته، وإذا فقد تلك الأرملة التي كوته بهواها، فهو مائت لا محالة، ولكن هذه الأرملة على ما كانت عليه من الخفة والطيش كانت شديدة الحرص على كتمان غوايتها السابقة، حتى إنه لم يبق أثر من آثارها يستند عليه في سبيل إرجاع الدوق عنها، ثم إن العاشق قد أعياه حبها، فهو لا يحفل بمثل هذه البراهين؛ ولذلك فإنه يجب أن يعلم بالبرهان ما طالما علمه بالخبر، وليس لدي شيء من هذه البراهين الحسية.
فاضطرب الكونت وقال: على ما عولت إذن؟ - على أن أوجد هذا البرهان. - إنك لا تريد مالا جزاء عن هذا الصنيع، فلا بد أن يكون لك مطلب آخر. - هو ذاك، فليس في هذا العالم شيء مجاني، وليس لي مطلب غير الانتقام من امرأة أساءت إلي. - عجبا أتصنع جميع ما أنت عازم على صنعه من أجل الانتقام من امرأة؟ - إني إنكليزي.
وجم الكونت كأن هذا الجواب قد أفحمه، ثم قال له: كيف تريد أن تنتقم، فإني سأكون يدك في هذا الانتقام كما أرى. - هو ما رأيت، والذي أطلبه إليك هو أن تحتال على تلك المرأة حتى تحبك. - لا أحب إلي من ذلك، ولكن هذه المرأة قد تكون فاضلة طاهرة بحيث لا يمكن جذب فؤادها بالزمن القصير. - إني أمهلك قدر ما تشاء. - وإذا تزوج الدوق قبل إنتهاء المهلة ألا يفسد كل شرط؟
فحدق به أندريا تحديق المستطلع ثم قال له: إن بين جنبيك قلبا شريفا، فإذا أقسمت بشرفك أن تفي بعهودي كما أفي بعهودك، أنلتك مأربك قبل أن تنيلني مأربي. - أقسم لك بما تشاء، غير أن هناك أمرا قد يحول بين قلبها وقلبي، وهو أنها قد لا تحبني مهما بذلت في مرضاتها من الجهد. - عدني أنك تبذل جهدك هذا وتخضع لما أرشدك به، فإذا فعلت جميع ذلك دون أن تنجح فإني لا أطالبك بشيء.
Unknown page