الرسالة الخامسة منها في «ماهية الإيمان وخصال المؤمنين المحقين»، والغرض منها هو معرفة الجلالة الروحانية، وما الإلهام وما الوسوسة وما التوفيق وما الخذلان وما الهداية وما الضلالة؛ إذ كان هذا الباب علما غامضا وسرا خفيا من العلوم الروحانية والأسرار النفسانية. الرسالة السادسة منها في «ماهية الناموس الإلهي والوضع الشرعي» وشرائط النبوة وكمية خصالهم ومذاهب الربانيين والإلهيين، والغرض منها هو التنبيه على أسرار الكتب النبوية ومرامي مرموزاتهم المقصودة وأوضاعهم الناموسية الإلهية والتهدي إليها، وكيفية الكشف لها من المهدي المنتظر والبرقليط الأكبر. الرسالة السابعة منها في «كيفية الدعوة إلى الله عز وجل» بصفوة الأخوة وصدق الوفاء ومحض المودة وخطاب طبقات المدعوين ومنازل المستجيبين إلى ذلك، والغرض منها هو البيان بأن دولة أهل الخير تبتدي أولها من قوم أخيار فضلاء أبرار، يجتمعون ويتفقون على رأي واحد ومذهب واحد وسنة رضية وسيرة عادلة من غير تخاذل ولا تقاعد. الرسالة الثامنة منها في «كيفية أفعال الروحانيين والجن والملائكة المقربين والمردة والشياطين»، والغرض منها هو البيان أن في العالم فاعلين نفسانيين روحانيين غير جسمانيين، لا يتمانعون ولا يتزاحمون ولا يتضايق بهم المكان ولا يحويهم الزمان، ولا يتحصلون بمشاعر الحواس ومدارك العيان، ذواتهم حيث أفعالهم وصورهم معروفة بآثارهم. الرسالة التاسعة منها في «كمية أنواع السياسات» وكيفيتها ومراتب المسوسين وصفات المدبرين لها في العالم، والغرض منها هو البيان بأن مدبر الجميع وسائس الكل الحكيم الأول الباري المصور - جل جلاله - وأن من كان أحسن سياسة وأحسن تدبيرا كان عند الله أعظم منزلة ولديه أقرب زلفة، ومن كان بقدرة الله أبصر وبحكمته أعرف كان بسياسة خلقه أعلم، ومن كان بها أعلم فسياسته أحسن وأعدل، ومن كان كذلك فإليه أقرب ولديه أوجه. الرسالة العاشرة منها في «كيفية نضد العالم بأسره» وفي مراتب الموجودات ونظام الكائنات، وأن آخرها منعطف على أولها من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض، وأنها كلها عالم واحد كمدينة واحدة وكحيوان واحد وكإنسان واحد، والغرض منها هو الوقوف على معرفة الحقائق ومباديها وتواليها وسوابقها ولواحقها، علما يقينا وبيانا شافيا مقنعا كافيا بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مرية، وأن مبدأها كلها صادرة عن فعل الله - عز وجل - وحده الذي هو الإبداع المحض لا من موجود هو أولها بالوجود والوحدة وأقدمها فيه، وهو المبدئ الذي أبرز الله فيه سائر الموجودات تنبعث منه القوى متكثرة نحو غايتها المختلفة، وإليها تتصاعد متحدة، وأن إلى ربك المنتهى وإلى الله ترجع الأمور، وجعله السبب الأول الذي به يتعلق ما سواه من سائر الموجودات تعلق المعلول بالعلة، مرتبطا بعضها ببعض فاعلة ومنفعلة، منتقلا من رتبة الدنيا إلى رتبة القصوى ارتباط معلول بعلة على حسب بواديها وتواليها إلى أن تتلاحق بأجمعها، وتتوارد بأسرها إليه، فيكون هو علة العلل ومبدأ المبادئ الفائضة بما أفاض إليه الباري - جل جلاله - على ما دونها بخيرها، ووجودها يقبل كل ذات من الذوات بقدر ما يحتمله منها من الوجود اللائق به في الدوام والبقاء نور الله وعنايته ورحمته وكلمته به، الله يهدي من يشاء ويثيب وإليه يرجع من ينيب.
الرسالة الحادية عشرة منها في «ماهية السحر والعزائم»، وماهية العين والزجر والفأل والوهم والرقى، وكيفية أعمال الطلسمات الباقية، وما عمارة الأرض وما الجن وما الشياطين وما الملائكة المقربون والروحانيون، وكيف تأثيرات بعضهم في بعض، والغرض منها هو البيان بأن في العالم فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يسمون روحانيين، أفعالهم ظاهرة وذواتهم باطنة، منها ما تظهر أفعاله بوساطة الطبيعة، ومنها بوساطة النفس، ومنها بوساطة العقل وهو أجل منازل المخلوقين وأعلى رتبة الروحانيين؛ لأن الباري - جل ثناؤه - جعل العقل سابقا والنفس لاحقا، والطبيعة سائقا والهيولى شائقا والعدم ماحقا، والعقل هو المبدئ الأول والموجود الأول عن موجده أبدئ وبه يبقى؛ ولذلك صار ممتد الوجود بوجوده مستكمل الفضائل والخيرات، تام الأنوار والبركات معرى من الشوائب والتغييرات، مبرأ من النقص الواقع من جهة الهيوليات، يرتب كل موجود مرتبة وينزله منزله ويوفيه قسطه في لزوم النظام والبلوغ إلى التمام؛ ولذلك جعل له القوة الحافظة على سائر الموجودات ووجوداتها العاقلة لهم ذواتها الخاصة بواحد واحد منها يستحقها أو يليق بها، فلذلك يشار إلى ذاتها باسم الفعل الصادر عنها؛ إذ فعله ذاته وصورته تأثيراته، فهذا هو السابق البادي، ثم يليه اللاحق التالي وهو القوة المخترعة بوساطته المبدعة بها الذوات من سائر الموجودات أفضل أحوالها في الوجود الذي هو الحياة، وهي النفس التي بها أعطى الأجسام أفضل صورها وأتم وجودها، ولما تصورت الأجسام بها، وانطبعت فيها حصلت لها بها قوة تتعلق بها الأجسام على قدر اختلافها فحصل صورة كل واحد منها مخالفة لصورة الآخر وهو الطبيعة الباقية في الأجسام، يحصل بها التخلق والتصور والتشكل بالصورة الخاصة لواحد واحد منها، وهي قوة وضعها الباري - جل جلاله - في الجسم، وعلق قوامه بوجودها فيه، وصيره بخاصتها للتحرك به إلى تمام معدله وغاية قدر لبلوغه إليه ووقوفه عنده إلا أن يعوقه عائق من خارج، فيمتنع من حركته إلى أن ينقطع ذلك فيعود إلى حركته الخاصية، ثم الهيولى الأولى التي هي ذات بالقوة لا موجود بالفعل يخرج إلى الوجود بالفعل بقبول الصورة التي بها يصير الشيء هو ما هو، ويفارقه كون العدم والعدم هو لا موجود بالفعل ولا موجود بالذات، موجود بالعرض، فسبحان خالق الوجود والعدل وباسط الأنوار ، والظلم موجد وجود كل موجود، فينعدم ومعيده فينصرم ومنشئه فيبلى ومبقيه ليبقى، منه المبدأ وإليه المنتهى، تم الكلام على الرسائل.
وتليها «الرسالة الجامعة لما في هذه الرسائل المتقدمة كلها» المشتملة على حقائقها بأسرها، والغرض منها إيضاح حقائق ما أشرنا إليه، ونبهنا في هذه الرسالة عليه أشد الإيضاح والبيان، يأتي على ما فيها فيتبين حقائقها ومعانيها ملخصة مستوفاة مهذبة مستقصاة ببراهين هندسية يقينية ودلائل فلسفية حقيقية، وبينات علمية وحجج عقلية وقضايا منطقية وشواهد قياسية وطرق إقناعية، لا يقف على كنهها ولا يحيط بحقائقها ولا يحصلها ولا شيئا منها إلا من ارتاض بما قدمنا، وحذق وعرف وتدرب فيها وتمهر أو بما يشاكله؛ إذ هذه الرسائل كلها كالمقدمات لها والمداخل إليها والأدلة عليها والأنموذج منها لا ينفتح غلق معتاصها، ولا ينكشف مستور غامضها إلا لمن تهذب بهذه الرسائل الاثنتين والخمسين أو بما شاكلها من الكتب، والرسالة الجامعة من رسائلنا هي منتهى الغرض لما قدمناه، وأقصى المدى ونهاية القصد وغاية المراد، ولله الحمد والمنة وله الحول والقوة.
هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد، وهي اثنتان وخمسون رسالة، ورسالة في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مثل صاحب هذه الرسائل مع طالبي العلم ومؤثري الحكمة، ومن أحب خلاصه واختار نجاته كمثل رجل حكيم جواد كريم له بستان خضر نضر بهج مونق، معجب طيب الثمرات لذيذ الفواكه عطر الرياحين أرجة الأوراد فائحة الأزهار بهية المنظر، نزهة المرامي مختلفة الأشكال والأصباغ والألوان والمذاق والمشام من بين رطب ويابس وحلو وحامض، وفيها من سائر الطيور المطربة الأصوات الملهية الألحان المستحسنة التغريد، تطرد تحت أشجارها أنهار جارية وخلال أزهارها وخضرها جداول منسابة تموج، وفي حافات الأنهار خضر مونقة وأصداف مشرقة الألوان وجواهر متناسبة الأصباغ رائقة المناظر عجيبة الصور بديعة التأليف غريبة التنضيد، فرحة كل نفس، ونزهة كل عين، مسلاة كل هم، مدعاة كل أنس، فأراد لكرم نفسه وسخاء سجيته أن يدخلها كل مستحق ويتلذذ فيها وبها كل مشرف عاقل، فنادى في الناس أن هلموا وادخلوا هذا البستان وكلوا من ثمارها ما اشتهيتم، وشموا من رياحينها ما اخترتم، وتفرجوا كيف شئتم، وتنزهوا أين هويتم، وافرحوا واطربوا وكلوا واشربوا وتلذذوا وتنعموا واستروحوا بطيبها وتنسموا بروائحها، فلم يجبه أحد ولم يصدقه خلق، ولا عبئوا به، ولا التفتوا إليه استعظاما لقوله واستبعادا لوصفه واستكبارا لكلامه واستغرابا لذكره، فرأى الحكيم من الرأي أن وقف على باب البستان وأخرج مما فيه تحفا وطرفا ولطفا من كل ثمرة طيبة وفاكهة لذيذة وريحان زكي وورد جني ونور أنيق وجوهر بهي وطير غرد وشراب عذب، فكل من مر به عرضها عليه وشهاها إليه وذوقه منها، وحياه بها، وأشمه من فوائح الرياحين، وأسمعه من بدائع التلحين حتى إذا ذاق وشم وفرح به وطرب منه وارتاح إليه واهتز وعلم أنه قد وقف على جميع ما في البستان، ومالت إليه نفسه واشتاق إلى دخول البستان وتمناه وقلق إليه ولم يصبر عنه، فقال له عند ذلك: ادخل البستان وكل ما شئت وشم ما شئت واختر ما شئت، وانظر كيف شئت وتنزه أين شئت، وجئ من أين شئت وتلذذ وتنعم وتطيب وتنسم.
فهكذا ينبغي لمن حصلت عنده هذه الرسائل، والرسالة لا يضيعها بوضعها في غير أهلها وبذلها لمن لم يرغب فيها، ولا يظلمها بمنعها عن مستحقها وصرفها عن مستوجبها ولا يعرفها إلا لكل حر خير سديد مبصر للقصد، مجلب للرشد من طالبي العلم ومؤثري الأدب ومحبي الحكم، وليتحرز في حفظها وأسرارها وإعلانها وإظهارها كل التحرز، ويحرسها غاية الحراسة ويصنها أحسن الصيانة، وليكن المؤدي فيها حق الأمانة، لا يضعها إلا في حقها ولا يمنعها عن مستحقها، فإنها جلاء وشفاء ونور وضياء، بل كالداء إن لم تكن دواء، وكالفساد إن لم تكن صلاحا، وكالهلاك إن لم تكن نجاة تداوي، وقد تدوي وتميت وتحيي، فهي كالترياق الكبير الذي هو في نفسه وحده، وتختلف الأحوال عنده فيفعل الشيء وضده بحسب القوابل والمنفعلات عنه والحواصل والمتوالد منه، بل مثلها الغذاء والضياء فإن بالغذاء القوة والزيادة، وبالضياء الأبصار والهداية.
فكما أن الصبي الصغير والطفل الرضيع السليم من الداء المستعد للزيادة والنماء يحتاج إلى حسن التربية ولطف التغذية وإطعام ما هو له أوفق وأصلح وفيه أزكى وأنجع على معرفة ومقدار، ثم التدرج بغذائه حالا بعد حال إلى استكمال قوته وتمام بنيته؛ لئلا يتغذى بما لا ينجع فيه ولا يستمرئه فيمرضه ويدويه بل يهلكه ويرديه، فكان الذي أعد لشفائه وبقائه هو سبب دائه وفنائه، أو كالعليل الملتبس بالداء البعيد من الشفاء إن غذي لا ينتفع بغذائه بل يزيد في دائه، وربما كان سبب هلاك نفسه وانقضاء عمره، وأما الضياء فإنه لا يصلح إلا لمن فتح عينه وصح نظره وقوي بصره، ويزيده الجلاء جلاء والنور قوة وضياء، فأما من لم يفتح عينه أو كان قريب العهد بالخروج من الظلام فيضعف جدا عن مقابلة ضوء النهار ونور الشمس بل يكسبه الضياء ظلمة البصر حتى ربما صار ضلالا وعمى، وكذلك من كان عليل الطرف أرمد العين ذا عور أو في بصره سوء وقذى فلا يفتح عينه فيبصر، ولا يعاين الصور فيميز، بل يستريح أبدا إلى الظلمات، ويهرب من الضياء، وكما زاد الضياء نقص إبصاره وضعف إدراكه، فإن لج أداه إلى الغشاء والعماء وفقد النظر وذهاب البصر، كذلك الواجب على من حصلت عنده هذه الرسائل وهذه الرسالة أن يتقي الله تعالى فيها بأن يهتم ويعتني بها غاية العناية، ولا يخل بهذه الوصاية، ويتلطف في استعمالها وإيصالها تلطف الأخ الشقيق والأب الشفيق والواد الصديق والطيب الرفيق بعد بذل وسعه واستفراغ جهده في توخي القصد، وتحري الصواب في بذله شيئا بعد شيء لمن رآه شديد الحاجة إليه؛ عظيم الحرص عليه؛ كثير الرغبة فيه بعد أن اختبرهم واستبرأهم واستكشف حالهم فمن أنس منه رشدا ورجا فيه خيرا ممن أقصى مناه خلاص روحه ونجاة نفسه وجعل سعيه فيما يرجع إلى ذاته وإلى ما هو سبب حياته يزهد في أعراض الدنيا، ويرغب فيما هو خير وأبقى لا يكذب نفسه ولا يسامحها بل يصدقها صدقا، ويجد حزما، ويعلم حقا أن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى، دفعها إليه رسالة رسالة على الولاء شبيه الغذاء والتربية والنماء وكالدواء للصحة والشفاء والكحل والجلاء لتقوية البصر والضياء ما يقرب من فهمه ويليق بمحله من علمه، ويستصلحه لمثله قدر ما يغذيه ويربيه ويصحه ويشفيه، بل يبصره ويهديه ويشده ويقويه أولا فأولا، على الترتيب المبين في الفهرست حتى إذا ما تمكنت الحكمة من نفسه وأنست به وتصورت عنده واستقر في خلده وقوي فيه وتحقق بفكرة معانيه، طلب عند ذلك الكل بشدة حرص وانشراح صدر وغاية رغبة وخلوص نية وقوة عزيمة، وفضل معرفة وزيادة يقين وصحة بصيرة فحصلها وعمل بها، واستحق بعد النظر فيهن والوقوف على جمل معانيهن النظر في الرسالة الجامعة التي هي نهاية المراد ونزهة المرتاد والفوز في المعاش والمعاد؛ لأن بهن التوصل إليها وبفهمهن الوقوف عليها، فمن وفقه الله لذلك ويسره فقد هداه من الحيرة، وأحياه بعد الموت، وأمنه من الخوف، وأزلفه إليه، وأسبغ جلائل نعمه عليه فيبقى بقاء الأبد، ويدوم دوام السرمد في السعادة التامة والبركات العامة والنعيم المقيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
(تمت فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد وأرباب الحقائق وأصحاب المعاني، في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق، للبلوغ إلى السعادة الكبرى والجلالة العظمى والبقاء الدائم والكمال الأخير بحول الله وقوته وتأييده وتوفيقه، وله الحمد وحده وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله الأئمة الطاهرين وسلم تسليما عليهم أجمعين.)
القسم الرياضي
الرسالة الأولى في العدد
Unknown page