Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

Ikhwan Safa d. 375 AH
40

Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genres

الرسالة الرابعة في جغرافيا يعني صورة الأرض والأقاليم من رسائل إخوان الصفاء - صان الله أقدارهم.

ما لله سر إلا وهو ظاهر على ألسنة خلقه، ولا له ستر أثخن من جهلهم به؛ لأنه لا يعلم ما هو إلا هو وإلى ربك المنتهى، منه بدأ وإليه يعود، ثم إليه ترجعون، فوجد الله عنده فوقاه حسابه الباري، وحده قبل كثرة كل إنسان، وحده بعد كل كثرة، وكل كثرة فعن الواحد بدأت وإليه تعود، وكل الموجودات فمن الباري بدأت وإليه تعود، يا ابن آدم أنا الله حي لا يموت، إن أطعتني وقبلت وصيتي جعلتك حيا لا تموت، يا ابن آدم أنا الله أقول للشيء: كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء: كن فيكون.

من أجل أن مذهب إخواننا، أيدهم الله وإيانا بروح منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها وعن مراتب نظامها والكشف عن كيفية ارتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها جل ثناؤه؛ احتجنا إلى أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها وسبب وقوفها في مركز العالم؛ وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء من العلوم الشريفة؛ لأن عليها وقوف أجسامنا ومنها بدأ كون أجسادنا ونشوئها ومادة بقائها، وإليها عودها عند مفارقتها نفوسها.

وأيضا فإن النظر في هذا العالم يكون سببا لترقي همم نفوسنا إلى عالم الأفلاك، مسكن العليين، ويكثر جولان أفكارنا في محل الروحانيين، وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك تكون سببا لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويدعوها ذلك إلى الانبعاث من عالم الكون والفساد إلى عالم البقاء والدوام، ويرغبها في الرحلة من عالم الأجساد وجوار الشياطين إلى عالم الأرواح وجوار الملائكة المقربين، وقد ذكرنا في هذه الرسالة طرفا من كيفية صورة الأرض وصفة الربع المسكون منها، وما فيه من الأقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن؛ ليكون طريقا للمبتدئين بالنظر في علم الهيئة وتركيب الأفلاك وطوالع البروج ودوران الكواكب، ويقرب تصورها في أفكار المتعلمين، ويسهل تأملها للمتفكرين في ملكوت السماوات والأرض الذين يقولون: @QUR09 ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار، وقال الله تعالى: @QUR04 وفي الأرض آيات للموقنين، وقال: @QUR09 وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين.

(1) فصل في صفة الأقاليم وما في الربع المسكون من الأرض مع ما فيها من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن وما في البحار من الجزائر والمدن

وقبل وصفها نحتاج أن نذكر صفة الأرض وجهاتها الست وكيفية وقوفها في الهواء، أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل، فالشرق من حيث تطلع الشمس، والغرب من حيث تغرب الشمس، والجنوب من حيث مدار سهيل، والشمال من حيث مدار الجدي والفرقدين، والفوق مما يلي السماء، والأسفل مما يلي مركز الأرض.

والأرض جسم مدور مثل الكرة وهي واقفة في الهواء بأن الله يجمع جبالها وبحارها وبراريها وعماراتها وخرابها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها ومن ذا الجانب ومن ذلك الجانب، وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساو، وأعظم دائرة في بسيط الأرض 25455 ميلا 6855 فرسخا، وقطر هذه الدائرة هو قطر الأرض 6551 ميلا 2167 فرسخا بالتقريب، ومركزها هي نقطة متوهمة في عمقها على نصف القطر وبعدها من ظاهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساو؛ لأن الأرض بجميع البحار التي على ظهرها كرة واحدة.

وليس شيء من ظاهر سطح الأرض من جميع جهاتها هو أسفل الأرض - كما يتوهم كثير من الناس ممن ليس له رياضة بالنظر في علم الهندسة والهيئة - وذلك أنهم يتوهمون ويظنون بأن سطح الأرض من الجانب المقابل لموضعنا هو أسفل الأرض، وأن الهواء المحيط بذلك الجانب هو أيضا أسفل من الأرض، وأن النصف من فلك القمر المحيط بالهواء هو أيضا أسفل من الهواء، وهكذا سائر طبقات الأفلاك كل واحد أسفل من الآخر حتى يلزم أن أسفل السافلين هو نصف الفلك المحيط الذي هو أعلى عليين في دائم الأوقات.

وليس الأمر كما توهموا؛ لأن هذا رأي يتعقله الإنسان من الصبا بالتوهم بغير روية ولا برهان، فإذا ارتاض الإنسان في علم الهيئة والهندسة تبين له أن الأمر بخلاف ما توهم قبل، وذلك أن أسفل الأرض بالحقيقة هو نقطة وهمية في عمق الأرض على نصف قطرها وهو الذي يسمى مركز العالم، وهو عمق باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان من الأرض؛ لأن مركز الأرض هو أسفل السافلين، فأما سطحها الظاهر المماس للهواء، وسطح البحار من جميع الجهات فهو فوق، والهواء المحيط أيضا من جميع الجهات.

وفلك القمر هو فوق فلك الهواء، وفلك عطارد هو فوق فلك القمر، وعلى هذا القياس سائر الأفلاك، واحد فوق الآخر إلى الفلك التاسع الذي هو فوق كل فوق، وهو أعلى عليين، ومقابله مركز الأرض أسفل السافلين.

Unknown page