Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

Ikhwan Safa d. 375 AH
36

Rasaʾil Ihwan al-safaʾ wa hillan al-wafaʾ

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Genres

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العلماء مختلفون في تصحيح علم الأحكام وحقيقته ، فمنهم من يرى ويعتقد أن للأشخاص الفلكية دلالات على الكائنات في هذا العالم قبل كونها، ومنهم من يرى ويعتقد أن لها أفعالا وتأثيرات أيضا مع دلالاتها، ومنهم من يرى ويعتقد أن ليس لها أفعال ولا تأثيرات ولا دلالات البتة بل ترى أن حكمها حكم الجمادات والموات بزعمهم، فأما الذين قالوا: إن لها دلالات فهم أصحاب الأحكام، وإنما عرفوا دلالاتها بكثرة العناية بالإرصاد لحركاتها وتأثيراتها والنظر فيها واعتبار أحوالها وشدة البحث عنها.

والناس لتصاريف أمورها على ممر الأيام والشهور والأعوام أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن كلما أدركوا شيئا منها أثبتوه في الكتب كما ذكروها في كتبهم بشرح طويل، وأما الذين أنكروا ذلك فهم طائفة من أهل الجدل تركوا النظر في هذا العلم وأعرضوا عن اعتبار أحوال الفلك وأشخاصه وحركاته ودورانه، وأغفلوا البحث عنها والتأمل لتصاريف أمورها فجهلوا ذلك وأنكروه وعادوا أهلها وناصبوهم العداوة والبغضاء.

وأما الذين ذكروا أن لها مع دلالاتها أفعالا وتأثيرات في الكائنات التي تحت فلك القمر، فإنما عرفوا ذلك بطريق آخر غير طريق أصحاب الأحكام وبحث أشد من بحثهم واعتبار أكثر من اعتبارهم وهو طريق الفلسفة الروحانية والعلوم النفسانية وتأييد إلهي وعناية ربانية، ونريد أن نذكر من هذا الفن طرفا ليكون إرشادا للمحبين للفلسفة والراغبين فيها ودلالة لهم عليها ورغبة فيها؛ أعني: علم الفلسفة.

فاعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن كواكب الفلك هم ملائكة الله وملوك سماواته خلقهم الله تعالى لعمارة عالمه وتدبير خلائقه وسياسة بريته، وهم خلفاء الله في أفلاكه، كما أن ملوك الأرض هم خلفاء الله في أرضه، خلفهم وملكهم بلاده، وولاهم على عباده ليعمروا بلاده، ويسوسوا عباده، ويحفظوا شرائع أنبيائه بإنفاذ أحكامهم على عباده، وحفظ نظامهم على أحسن حالات ما يتأتى فيهم وأتم غايات ما يمكنهم من البلوغ إليها وأفضل نهايات ما يصلون إليها إما في الدنيا وإما في الآخرة.

فعلى هذا المثال والقياس تجري أحكام هذه الكواكب في هذه الكائنات التي تحت فلك القمر، ولها أفعال لطيفة وتأثيرات خفية تدق على أكثر الناس معرفتها وكيفيتها كما تدق على الصبيان والجهال معرفة كيفية سياسة الملوك وتدبيرهم في رعيتهم، وإنما يعرف ذلك منها العقلاء والبالغون المتأملون للأمور، فهكذا أيضا لا يعرف كيفية تأثيرات هذه الكواكب وأفعالها في هذه الكائنات إلا الراسخون في العلوم من الحكماء والفلاسفة، البالغون في المعارف الربانية، الناظرون في العلوم الإلهية، المؤيدون من السماء بتأييد الله وإلهامه لهم.

(11) فصل في كيفية وصول قوى أشخاص العالم العلوي إلى أشخاص العالم السفلي «الذي هو عالم الكون والفساد»

اعلم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن معنى قول الحكماء: «العالم» إنما هو إشارة إلى جميع الأجسام الموجودة وما يتعلق بها من الصفات، وهو عالم واحد كمدينة واحدة أو حيوان واحد، ولكن لما كانت الأجسام كلها تنقسم قسمين حسب، فمنها عالم الأفلاك ومنها عالم الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ويسمى عالم الكون والفساد؛ فنقول: إن أول حد عالم الأفلاك هو من أعلى سطح الفلك المحيط إلى منتهى مقعر سطح فلك الأثير، وهو فلك القمر ثم مما يلي الهواء، وحد عالم الأركان هو من مقعر سطح فلك القمر إلى منتهى الأرض، ويسمى أحدهما العالم العلوي والآخر العالم السفلي؛ لأن العلوي هو مما يلي المحيط والسفلي مما يلي المركز، وأما الذي فوق الفلك فهو رتبة النفس الكلية التي هي سارية قواها في جميع الأجسام التي في العالمين جميعا من لدن الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض بإذن الباري - جل ثناؤه.

واعلم يا أخي أن أول قوة تسري في النفس الكلية نحو العالم فهي في الأشخاص الفاضلة النيرة التي هي الكواكب الثابتة، ثم بعد ذلك في الكواكب السيارة، ثم بعد ذلك فيما دونها من الأركان الأربعة وفي الأشخاص الكائنة منها من المعادن والنبات والحيوان.

واعلم بأن مثال سريان قوى النفس الكلية في الأجسام الكلية والجزئية جميعا؛ كمثال سريان نور الشمس والكواكب في الهواء، ومطارح شعاعاتها نحو مركز الأرض.

واعلم يا أخي بأن الكواكب السيارة ترتقي تارة بحركاتها إلى أعلى ذرى أفلاكها وأوجاتها ، وتقرب من تلك الأشخاص الفاضلة التي تسمى الكواكب الثابتة، وتستمد منها النور والفيض والقوى، وتارة تنحط إلى الحضيض وتقرب من عالم الكون والفساد وتوصل تلك الفيضات والقوى إلى هذه الأشخاص السفلية فتسري فيها كما تسري قوة النفس الحيوانية في الدماغ، ثم بتوسط الأعصاب تصل إلى سائر أطراف البدن كما بينا كيفيتها في رسالة الحاس والمحسوس، فإذا وصلت تلك القوى والفيضات مع شعاعاتها إلى هذا العالم فإنها تسري أولا في الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ثم يكون ذلك سببا لكون الكائنات التي هي المعادن والنبات والحيوان ويكون اختلاف أجناسها وأنواعها بحسب اختلاف أشكال الفلك واختلاف الأماكن واختلاف الأزمان، لا يعلم أحد كثرتها وفنون أشخاصها وتفاوت أوصافها إلا الله - جل ثناؤه - الذي هو خالقها وبارئها ومنشئها ومصورها كيف شاء.

Unknown page