268

Qawāʿid fī al-sulūk ilā Allāh taʿālā

قواعد في السلوك الى الله تعالى

Genres

حقيقة الذات بالقلوب لأنها فانية، ولا تقوى عليه الأجسام والقلوب إلا في الدار الآخرة لأنها في عالم البقاء.

والتحقيق أن ذلك المثل هو بمثابة الاسم والمسمى، والصفة والموصوف، فلا يقال: هو هو، ولا يقال: إنه غيره، إنما هو بحسب المحل وضعفه وخلقيته.

مثال ليتضح هذا المعنى، فإنه مشكل جدا تهرب منه العقول الضعيفة، ولا يقوى عليه إلا الموفقون : الإنسان يكتب بقلمه: (الله)، وذلك هو اسم الله حقيقة، لكن بحسب المحل، وهي الكتابة، وكذلك تقول : (الله)، وقوله : (الله) هو اسم الله، لكن بحسب اللفظ المؤدي لذلك المعنى، ومثل ذلك إشارة القلوب إلى الله تعالى ومعرفتها له، وتجليه عليها، فتحبه وتخافه وتشتاقه، وذلك هو نور الله تعالى حقيقة، لكن بحسب المحل الذي يرى ذلك المعنى، وإنما يرى منه بحسب ما يستعده، ولذلك وجهان كما سبق ذكره.

ولهذا منع السلف رضي الله عنهم من وصف الإيمان بالخليقة، فإن له اتصالا بالله حقيقة لا يكيف، وله أيضا اتصال بالعبد يعقل ويدرك، فله بهذا الاعتبار وجهان كما سبق، قال الله تعالى: (وله المثل الأعلى في السموات) ، فبذلك المثل تعبده الملائكة والإنس والجان، وهو مثال عظمته في قلوبهم، وليس كمثله شيء.

لكن لا بد للأمر الموجود - وإن كان لا يمثل - أن يقوم له شاهد في القلوب، وبحسب المحل، ويعلم حينئذ أنه ليس هو حقيقة

Page 290