344

Matmah Amal

مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال

Genres

Sufism

وأما في زماننا فقد تتابع العمال في التأديب بالمال، وانتهكوا حرمة الدين بأخذه على الوجه المحظور الذي لا يسوغ أخذه بحال إجماعا؛ فإنهم اتجروا في الرعية وجعلوهم غرضا لسهامهم، ورمية لنبالهم[101ب] وتهوروا في ذلك بأن جعلوا من يتجسس الأخبار لهم، فيبالغوا في نقل ما يقع إما بطريق الخبر الذي لا يحل به مال المسلم أو غيره من الظنون المنهي عنها، فإذا بلغ إلى العامل ما رقمه ذلك المتجسس وجه العسكر في طلب المنقول عليه، فيرعبه العامل، ويتوعده بالحبس والقيد ليخلص نفسه من ورطته بمال يؤديه إليه، ثم يغلظ عليه في اليمين بعدم العود إلى ما نقل عليه تنميقا لفعله وتستيرا لما أخذه بجهله، ثم انتهى بهم الأمر إلى أن يطلبوا رجلا بتهمة من أهل بلده أو غيرهم، فإن امتنع من جعلوه في الصورة متهما له عن تهمته طلبوه ووضعوا عليه مالا يسمونه نفاعة وأجرة لمن أحضره تصير كلها إلى العامل، ثم يتوعدونه بالحبس وإرسال عسكرهم إليه حتى يبين له متهما، فيضطرونه إلى أن يتهم من طلبوه أولا أو غيره، ثم يحلفونه يمينا يرون العدل بها في ظاهر الأمر أنه لا تهم له غيره، فإذا حلف هذه اليمين الكاذبة حل لهم انتهاك عرض المتهم بحبسه أولا، ويطولون حبسه حتى يأتي إليهم الشفعاء من أقاربه يسألونه إطلاقه، فيغلظ لهم العامل القول، ويريهم ارتطام المتهم في المعاصي وظهورها عليه، وأنه قد تلقى معرفة أحواله وبحث عنها، وفي خلال ذلك يتردد القول بين العامل والشفعاء بواسطة كتاب العامل ونوابه بأن يضع عليه مالا يسمونه الأدب مغايرا لما سلمه أولا مما يسمونه النفاعة؛ وإذا حضر الأدب طلب الكفلاء والضمناء عليه إن عاد إلى ما نسب إليه ليكون وسيلة ثانيا إلى أخذ مال الضمناء عند أول نسبة، فقال في المحبوس وليكون ذلك في بادئ الأمر محسنا لفعل العامل وحبسه وتأديبه، وأن مغزاه ليس إلا استصلاح الرجل وتطهيره من الدنس الذي اتهم به، ثم آل بهؤلاء العمال الأمر إلى أنهم يضعون المال بين الخصمين اللذين يريدان الشريعة في الأمر الذي تنازعاه، فإذا سلك العامل[102أ] بزعمه طريق الإنصاف والعدل وضعه مبهما حتى يتضح تعديه، فإذا تنازعا ووجبت اليمين على منكر ما تنازعا فيه من مال أو قول يدعيه الآخر ليعززه فحلف حل لهم أخذ مال المحلوف له، وسموه متعديا بطريق يمين الخصم، صادقة كانت أو كاذبة، فينقلب الوبال عليه ويعاقب بأخذ المال، وتعود عليه مؤنة العسكر الموجهين لإنصافه، فيلجون بيتة، ويتحكمون فيه، ويجعلون تسلم المال المضروب منه غاية لتحكمهم، ثم يفدون على العامل بما أخذوه منه على الصفة المذكورة إرسالا من كل بلدة تشملها ولايته.

هذا طريق العمال إلى استحلال أموال المسلمين، وهذه الطريق مجمع على بطلانها لمخالفتها النصوص القرآنية والسنة النبوية، والمأخوذ بهذه الطرق سحت محرم لا نجاة لآخذه إلا بالتوبة التي لا تتم إلا برده إلى أربابه، ولقد عمت البلوى بهذه الطريق، وتعودها العمال وألفوها حتى ظنوها سنة لا بدعة، واستحسنوا ما يستقبح من هذه الشنعة، وجروا عسكرهم على استحلال هذه المحرمات ظنا منهم أن اتسام العامل بالعمالة كاف في حجية قوله وفعله، وأن له أصلا في الشريعة يؤذن بحله ؛ وإذا أنكر العلماء وأهل الورع ذلك عليهم رأوا إنكارهم منكرا؛ لمخالفته عادتهم وعرفهم، وكلما صرخ المظلوم من فعلهم، أو استغاث بالشريعة، أو بلغ إلى ولاة الأمر الكبار رد إلى من تولى ظلمه من هؤلاء لشرط يشرطونه على ولي الأمر الكبير في رد من فر منهم إليهم؛ لئلا يختل بزعمهم نظام الأمر ويقع الفساد، فيرده إليهم ظنا منه لجريهم على نهج الشريعة، وأنهم لا يتعدون حدودها، فلا يزيده رجوعهم إليه إلا وبالا.

وهذه مفسدة في الدين عظيمة يجب على أئمة الحق رفعها، ويتحتم على أولى العلم التنبيه عليها، عملا بحديث: ((من أذل عنده مؤمن فلم ينصره أذله الله على رؤوس الأشهاد[102ب] يوم القيامة)). عند أبي نعيم في الحلية.

Page 387