ولكن العلوم النظرية هي التي تهمنا بوجه خاص، وهدف هذه العلوم هو معرفة الطبيعة والإنسان، لا لشيء إلا لأجل إشباع غريزة حب الاستطلاع في الإنسان، وزيادة شعوره بذاته وبالعالم.
تقييم العلوم النظرية إلى مجردة وعينية
إذا نحن اقتصرنا على العلوم النظرية، وجدناها تنقسم بدورها إلى علوم مجردة، وعلوم عينية. «فالعلوم المجردة، العامة، تهدف إلى كشف القوانين التي تتحكم في مختلف أنواع الظواهر، أما العلوم العينية، أو الخاصة، أو الوصفية .. فمهمتها تنحصر في تطبيق هذه القوانين على التاريخ الفعلي لمختلف الكائنات الموجودة.»
وهاك أول مثال يؤيد هذه الفكرة؛ فإذا تأملنا علم وظائف الأعضاء العام من جهة، وعلم الحيوان وعلم النبات من جهة أخرى، وجدنا الأول يدرس «قوانين الحياة بوجه عام» والآخران يحددان «طريقة وجود كل من الأجسام الحية، على وجه الخصوص».
وإليك مثالا آخر؛ فالكيمياء ترتبط بعلم المعادن: «ففي الكيمياء نبحث كل التجمعات الممكنة للجسيمات، وفي كل الظروف التي يمكن تصورها، وفي علم المعادن، لا نبحث إلا في تلك التجمعات التي تتحقق في التركيب الفعلي للكرة الأرضية، وتحت تأثير الظروف الخاصة التي تتميز بها الأرض وحدها.»
وهاك مثالا ثالثا، هو علم الطبيعة المجردة (
physique abstraite ) بالنسبة إلى علم الطبيعة العيني، وأوجست كونت يعني بكلمة «علم الطبيعة العيني » ما نعنيه نحن اليوم بكلمة «علم الطبيعة للكرة الأرضية»، وهو يشمل، بطبيعة الحال، علم الأرصاد الجوية.
وفي استطاعتنا أن نأتي بأمثلة أخرى؛ فعلم الفلك المجرد ، أو الميكانيكا السماوية، يتميز عن علم الأكوان «الكوسموجرافيا
Cosmographie » الذي يدرس النجوم كلا منها على حدة، لا القوانين بوجه عام.
وسوف نستبقي هذا التقسيم لما فيه من فائدة جمة؛ فالعلوم المجردة تحدد صيغ القوانين العامة، وتدرس جزءا معينا من الطبيعة، واضعة نصب أعينها ما يظهر بين الموجودات التي تكون هذا الجزء من «أوجه تشابه». أما العلوم العينية فتركز بحثها على «الفروق» فهي إذن تقوم على التصنيف، والوصف التفصيلي؛ بل إنها في أيامنا هذه أقرب كثيرا إلى الوصف التفصيلي منها إلى التصنيف؛ إذ إن التصنيف الطبيعي قد فقد قدرا كبيرا من أهميته بسبب تأثير المذهب التطوري.
Unknown page