والسجن إن لم تغشه لدنيئة
سوآء نعم المنزل المتودد
وأما «ميزان»؛ فإن صاحبها مرادا رجل له علم بالتاريخ؛ وهو معدود من الطبقة الثانية من الكتاب. جاء مصر وللناس فيه ثقة وللحكومة العثمانية منه وجل، فكانت «ميزان» كالصاعقة المنقضة على رأس عبد الحميد، منعته الكرى وكادت تفلح فيما تسعى إليه. دعا عبد الحميد ناظم باشا ناظر الضبطية إذ ذاك إلى قصر «يلديز» وقال له: ما أكبر ذنبك وما أصغر همتك! أمرتك أن تطارد كل من يقرأ «ميزان»، والتقارير تأتيني بأنها تجيء إلى فلان وإلى فلان، أكذا طاعتك لسلطانك؟! قال ناظم: يشهد الله والناس بما أجد في مطاردة «المفسدين»، ولكني لا أدري ما أصنع، وكلما أمرت رجال الشرطة بالانتباه وإدمان النظر في ذلك؛ وجدت نسخ «ميزان» في جيوبهم. وخرج ناظم وهو كاسف البال ضائع الرشد.
غير أن مرادا كان معجبا بنفسه متكبرا دائم الازدهاء، لا يدين للحق فلم يحسن البداية ولا النهاية.
وممن الجرائد التي عوضت ما خسرته الأمة بفشل «مشورت » التركية وخيبة صاحبتها «ميزان»؛ جريدة «عثمانلي» سابقة الذكر. وقد كان تأسيسها في سنة 1897، ثم تلتها اجتهاد ولغتها تركية، وكانت تقبل كل مقالة تأتيها بأية لغة كانت. وصديقي الدكتور عبد الله جودت هو مؤسس «جمعية الاتحاد والترقي العثمانية» وسكرتيرها، وإنه لمن الفضلاء الذي يزينون عقد الحرية، ما شئت من أدب رائع وخلق مطبوع ونفس صريحة وعقل راجح وضمير لم يتطرقه الرياء ولم تهتد إليه الأهواء، حر متناه في حريته، يقول الحق ويعلم أنه ضائره، فلا يبالي عاقبة ولا يخشى حسابا.
و«القانون الأساسي» كان له شأن يذكر، ففيه سيرت هذا القلم مجاهدا، وقلت لعبد الحميد: «فلأهزن به أركان قصرك هزا»، فلم تدعني الأيام أصدق وعدي وأقوم بوعيدي، وهزت «يلديز» وأمالت عماده قنابل الأحرار. فإذا كان دوي رعودها رجع ما صرت به الأقلام، فالحمد لله ولا فخر، وإن كانت منبعثة من أفئدة أمة أجملت الصبر حتى تنفست عن البارود، فالفخر أعظم.
وجريدة «الإنذار» التي كان يكتبها شقيقي يوسف حمدي يكن كان لها دور وله شأن؛ فكم بالقصور من أعداده، جمعت من «العتبة الخضراء» ورفعت إلى العتبة العلياء. وأذكر هنا منها هذه الأبيات التي قالها صاحب الإنذار في العدد الرابع الصادر في سنة 1317، وفيها إشارة لا تخفى على اللبيب، قال:
إذا صحا النائم من نومه
وهم ذو الهمة في يومه
عادت لنا أيامنا مثل ما
Unknown page