ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، وهو قولك: «فقد جاء اشراطها»، و«يا زكرياء انا».
هذا، ولما رأى بعض الباحثين في اللغات السامية كثرة الهمز في العربية وقلته في أختيها؛ أشار إلى أن الظاهر أنه كان شائعا فيهما، إلا أنه قل فيما بعد لسبب من الأسباب، غير أن ما ذكرنا من قلته في لغة قريش التي هي أقرب لغات العرب إلى العبرانية والسريانية يدل في بادئ الرأي على أن الأصل في هذه اللغات قلة الهمز.
وقد نقل في الإتقان فائدة مهمة عن ابن مجاهد فيها ما يتعلق بالهمز، قال: إذا شك القارئ في حرف هل هو بالتاء أو بالياء؟ فليقرأه بالياء فإن القرآن مذكر، وإن شك في حرف هل هو مهموز أو غير مهموز فليترك الهمز، وإن شك في حرف هل يكون موصولا أو مقطوعا فليقرأ بالوصل، وإن شك في حرف هل هو ممدود أو مقصور فليقرأ بالقصر، وإن شك في حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأ بالفتح؛ لأن الأول غير لحن في موضع، والثاني: لحن في بعض المواضع.
وأشار بقوله: فإن القرآن مذكر إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: «إذا اختلفتم في ياء وتاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن.» وقد فهم منه ثعلب أن ما احتمل التذكير والتأنيث فتذكيره أجود، قال بعض العلماء: مراده أنه إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكر، نحو: «ولا تقبل منها شفاعة»، ويدل على ذلك أن أصحاب عبد الله بن مسعود من قراء الكوفة كحمزة والكسائي ذهبوا إلى هذا فقرءوا ما كان من هذا القبيل بالتذكير نحو: «يوم يشهد عليهم ألسنتهم»، وهذا في غير الحقيقي.
قال ابن السيد في «الاقتضاب» عند قول صاحب «أدب الكتاب: باب الأفعال التي تهمز والعوام تدع همزتها» ذكر في هذا الباب: «أطفأت السراج»، «وقد استخذأت له» «وخذأت» و«خذيت» لغة، وذكر فيه هذا موضع «ترفأ فيه السفن»، فأنكر على العامة ترك الهمز في هذه الألفاظ، ثم أجاز في باب ما يهمز أوسطه من الأفعال ولا يهمز بمعنى واحد: أرفأت السفينة وأرفيتها، وأطفأت النار وأطفيتها. ثم قال: وقد حكي أن من العرب من يترك الهمز في كل ما يهمز إلا أن تكون الهمزة مبتدأ بها، حكى ذلك الأخفش.
طريقة المتأخرين في ضبط الكلم
هذا، وقد جرينا في ضبط الكلم في هذا الكتاب على طريقة المتأخرين؛ فإنهم ضبطوا كل لفظ يخشى فيه الاشتباه على الجمهور إما بذكر مثال له مشهور، وإما بذكر حركاته التي يقع فيها اللبس.
مثال الأول قولهم: «النور» بالضم الضوء، و«النورة» حجر الكلس، و«النور» بالفتح: الزهر، والواحدة: «نورة»، و«النوار» بالضم والتشديد مثله، والواحدة «نوارة»، ونورت الشجرة، وأنارت: أخرجت نورها، و«المنار» بالفتح: علم الطريق، و«المنارة» ما يوضع فوقها السراج.
ومثال الثاني قولهم: «النمر» ككتف سبع معروف، و«أبو قبيلة» وهو النمر بن قاسط، والنسبة إليه نمري بفتح الميم، وماء نمير كسمير: ناجع، عذبا كان أو غير عذب، ونمرى: كذكرى، قرية من نواحي مصر.
وكثيرا ما يضمون إلى المثال ذكر بعض الحركات مع كون المثال كافيا في المرام خشية أن يكون ذلك المثال مجهول الضبط عند بعض الناظرين في كتبهم أو مضبوطا عندهم لكن على وجه يخالف الصواب، مثال ذلك قولهم المضيعة: الضياع، يقال: فلان بدار مضيعة، وهي بكسر الضاد وسكون الياء مثل: معيشة، ويجوز فيها سكون الضاد وفتح الياء مثل مسلمة، وقولهم المشورة اسم من شاورته، وفيه لغتان؛ إحداهما: سكون الشين وفتح الواو، والثانية: ضم الشين وسكون الواو وزن معونة.
Unknown page