Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ولنبدأ من هذه العوامل بصفاته :
١ - صفاته
٨٠ - اتصف أحمد بصفات كانت هي السبب في هذه الشهرة التي اكتسبها، وفي ذلك العلم الغزير الذي خلفه من بعده، وسارت الركبان بذكره، وهذه الصفات بعضها هبات من الله العلي القدير يهبها لمن يشاء من خلقه، وبعضها صفات اكتسبها بالتربية، والمران، والنشأة والتوجيه، والنزوع إليها.
ولنذكر تلك الصفات بنوعيها، ونشير إلى آثارها في تكوين علمه.
٨١ - أول هذه الصفات الحافظة القوية الواعية، وهي صفة عامة المحدثين، وأهل الإمامة منهم بشكل خاص، ولقد اتصف بها مالك، واتصف بها الشافعي من الفقهاء الذين تركوا ثروة من الفقه والنظر والاستنباط.
وهذه الحافظة هي الأساس لكل علم ونظر، فلا بد لأهل العلم أن تكون عندهم طائفة حفظوها، يبنون عليها، ويستنبطون منها، وإن العلماء بالنفس في عصرنا الحاضر، كما كان الناس في الغابر يردون عناصر الذكاء إلى الذاكرة المدركة، والحافظة الواعية، والبديهة الحاضرة التي تثير المعلومات التي حفظت في أوقاتها المناسبة.
ولقد آتى الله أحمد من هذه الصفة حظا وفيرا، والأخبار في ذلك متضافرة يؤيد بعضها بعضا، فمن ذلك ما يروى عنه، فهو يقول: ((كنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري، فكان إذا صلى العشاء خرج من المسجد إلى منزله، فكنت أذاكره، فربما ذكر تسعة أحاديث، أو العشرة، فأحفظها، فإذا دخل، قال لي أصحاب الحديث أمل علينا، فأملها عليهم، فيكتبونها)).
ولقد شهد بقوة حفظه وضبطه معاصروه، حتى عد أحفظهم، وحتى لقد قيل لأبي زرعة معاصره: من رأيت من المشايخ والمحدثين أحفظ، قال أحمد بن حنبل.
٨٢ - ولم يكن أحمد حافظا واعيا فقط، بل كان يتفهم ما ينقل، فيحفظ أحاديث رسول الله ﷺ وفتاوى أصحابه، وفتاوى التابعين الذين اشتهروا بالورع، والفقه، والإفتاء، ويتفهم كل ذلك تفهم العارف المستنبط الذي يبني على ما عرف، ولقد
82