30
سرعان ما عرف دور فتح الباب في المعركة. تجسد أسطورة ونودي به فتوة للحارة. وقد ارتبك الفتى وتحير. لم يغره النصر، ولم يضل في تقدير ذاته؛ فهو لم يقبض في حياته على نبوت، وجسمه الهش لا يصمد لضربة يد. وقال لمحبيه: نختار فتوة ونأخذ عليه عهدا بأن يحكم كما حكم عاشور. - ولكنهم وقعوا في أسر الانفعال فصاحوا: أنت أنت الفتوة ولا فتوة غيرك!
هكذا وجد فتح الباب شمس الدين جلال الناجي نفسه فتوة دون منازع.
31
وبفضل رجلين في العصابة - دنقل وحميدة - حافظت الفتونة على هيبتها سواء في الحارة أم في الحارات المجاورة. وكان دنقل وحميدة من رجال العصابة السابقين، وكذلك كان غالبية رجالهما، ولكن فتح الباب سيطر سيطرة مطلقة بسحره الخاص وقوة الحرافيش المتمثلة في كثرتهم المنتشية بالنصر والثورة.
وفي تلك الأيام ماتت نور الصباح العجمي، وآوت فردوس هانم وأبناؤها إلى دار أسرتها من آل راضي بعد أن فقدت جل ثروتها فهبطت من طبقة إلى طبقة.
32
وتطلع الناس إلى العدل. عمرت قلوب الحرافيش بالأمل، وامتلأت أنفس الوجهاء بالمخاوف، واقتنع فتح الباب بأن العدل لا يجوز أن يتأخر يوما واحدا.
وقال لمعاونيه: علينا أن نحيي عهد عاشور الناجي.
ونشط الرجلان في توزيع الخيرات والوعود والآمال، ومضت الجراح تندمل. ولاحظ فتح الباب أن الرجلين ينوبان عنه في جمع الإتاوات وتوزيعها، كما لاحظ أن رجال العصابة ما زالوا يتمتعون بامتيازاتهم؛ يستولون على أنصبة من الإتاوة، ويعيشون عيشة البطالة والبلطجة. ساورته المخاوف، وأشفق من أن ترجع الأمور رويدا إلى مجراها القديم. واجتمع برجاله وقال لهم: أين العدل؟ أين عهد عاشور؟
Unknown page