ووقعت الواقعة. رسبت الهمسات في أعماق الحرافيش فتحولت إلى قوة مدمرة. اجتاح الحارة طوفان لم تعرفه من قبل. هكذا قسم الحرافيش أنفسهم إلى جماعات، وتسللت كل جماعة إلى مسكن رجل من رجال العصابة. تم ذلك قبيل الفجر في ساعة النوم العميق. هوجم الرجال في أسرتهم، دهمتهم الكثرة، غلبوا على أمرهم، انهزموا، نهبت دورهم، زالت عنهم غشاوة السحر مخلفة وراءها عاهات مستديمة. ولم يسمع أذان الفجر من صياحهم. خرجوا من دور العصابة كالسيل، غمروا الحارة، اقتحموا المخازن، نهبوا كل مخزون بها، دمروها تدميرا. وأول هدف لهم كان مخزن سماحة الفتوة. بل لم يترك قائم في المحل كله. نهب الغلال حتى آخر حبة. ورئي فتح الباب معلقا في عرق من عروق السقف، مدلى الذراعين، مغمى عليه أو ميتا، ففك وثاقه وطرح على الأرض بين الحياة والموت. سيطروا على الحارة تماما حتى شعشع أول ضوء للنهار. ذعر الناس في النوافذ والمشربيات وارتفع الصراخ، عند ذاك فتح باب الفتوة سماحة، وتجلى الرجل مثل وحش قابضا على نبوته.
29
تطلعت إليه الأبصار. تسمروا في حقد وتصميم ولكن استبقوا إلى السكوت والتوقع. ها هو الوحش المخيف ولكنهم سكارى بالنصر لا يخافون، وفي الوقت نفسه يترددون. لعله انتظر أن ينضم إليه رجاله فلم يعرف بعد ما حاق بهم. لا شك أنه سيفطن إلى ما وقع إن لم يكن قد فطن إليه بالفعل. إنه وحده يواجه الحرافيش، هو وقوته ونبوته وسحره الخرافي. وتساءل بصوت فاجر: ما معنى هذا؟!
فلم يجبه أحد، ومن النوافذ هبطت إليه استغاثات، وأنباء النهب والسلب. تساءل مرة أخرى: ماذا فعلتم يا أولاد الزواني؟!
لم ينبسوا، لم ينخذلوا ولم يتشجعوا، فتساءل بوحشية: ماذا فعلتم يا أبناء الزواني؟!
فانطلق صوت كالحجر صائحا: جدك كان ابن الزانية!
وارتفع هدير من القهقهات فوثب سماحة وثبة قوية ملوحا بنبوته وصاح: اثبتوا إن كان في أسمالكم رجل!
فانحط الصمت عليهم كصخرة ولكن لم يتراجع أحد. وتهيأ سماحة للانقضاض. عند ذاك ظهر فتح الباب شاحبا مخلخل القدمين، وهتف وهو يستند إلى جدار: اقذفوه بالطوب!
سرعان ما انفجر الحرافيش وانهال الطوب على الرجل. توقف هجومه تماما تحت المطر. استبقت الدماء من جراحه حتى تخضب بها وجهه والثياب. ترنح متراجعا وهو يخور. أفلت النبوت من يده. تقوض بنيانه فوق عتبة الدار، وانقض الجميع على الدار. فر عنها أهلها من السطح إلى الأسطح المجاورة.
نهبت ودمرت، ثم تركت خرابة مسورة.
Unknown page