فقال ضامر الحسني بابتهال: إذا كان السارق ممن يترددون على حجرتك بلا إذن!
استقرت في عيني سماحة نظرة صلبة محتقنة بالنار كأنما تنادي الشياطين من أوكارها، وتمتم ووجهه ينضح بالدمامة والغل: إن تكن كاذبا فقد هلكت، والويل للمجرم!
27
من وراء السبيل، في ظلمة كثيفة، تسلل فتح الباب إلى باب المخزن. أدار المفتاح بحذر ودفع الباب برقة. ورد الباب وتقدم خطوات مستهديا بنور الذاكرة.
اشتعل مصباح فجأة فألقى على المكان ضوءا فاضحا. انذعر فتح الباب وتسمر في موضعه . برزت من الظلمة على ضوء المصباح وجوه مخيفة قاسية، وجه سماحة، وجه ضامر الحسني، وجوه نفر من أشداء العصابة. تلاطمت النظرات في ارتطام عنيف. انغرز الصمت في النفوس، وأز في الآذان مثل فحيح الأفاعي. احترق الجو بأنفاس حارة منطلقة من غرائز بدائية وحشية. وملأته نظرة أخيه. نفذت إلى أعماقه فاقتلعت أعضاءه من جذورها. شعر بالسم يسري في جوارحه، وبالهزيمة المطلقة، بالضياع في غياهب الفناء. انجلت عنه هموم الأمل فخاص في اليأس، وانتظر كلمة القضاء كأنها تخص شخصا آخر. وجاءه الصوت يسأل باردا ساخرا حانقا: ماذا جاء بك في هذه الساعة من الليل؟
لم يبق له إلا الاعتراف والشجاعة والتوكل على الله. أجاب بهدوء غير متوقع: لقد علمت كل شيء. - ماذا جاء بك في هذه الساعة من الليل؟
فقال بشجاعة أكثر: جئت لأنقذ أرواحا من الموت. - أهذا جزاء من يحسن إليك؟
فقال بهدوء: هذا ما ينبغي فعله. - إذن فأنت عاشور الناجي؟!
فلاذ بالصمت، فقال سماحة بغل: ستعلق من قدميك في السقف يا معلم عاشور حتى تصفى روحك نقطة بعد نقطة.
28
Unknown page