Himyān al-zād ilā dār al-maʿād
هميان الزاد إلى دار المعاد
، وروى أن المشركين جاءوا المدينة فقالوا يا محمد أنهيتنا عن القتال فى شهر الحرم؟؟ وأرادوا أن يقول نعم هن باقيات على التحريم، غدروا. قال الشيخ هود رحمه الله تحريم القتال فيها منسوخ كان قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة حيثما وجدوا، وكذا قال فى السؤالات منسوخ عند أصحابنا، وإن الحسن قال غير منسوخ، وعن الزهرى ومجاهد { قتال فيه كبير } منسوخ، والجمهور على أنه منسوخ كالزهرى ومجاهد، وسئل عطاء فحلف بالله ما يحل للناس أن يغزوا فى الحرم ولا فى الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه، وما نسخت. وعن جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يغزوا فيها إلا أن يغزا. وسئل سعيد ابن المسيب فقال منسوخ. قال أبو عبيدة الناس القائمون الثغور اليوم جميعا يرون الغزو فى الشهور كلها، ولم أرا أحدا من علماء الشام والعراق ينكره عليهم. وقتال نكرة فى الإثبات فلا تعم، فليست دالة على عموم حرمه القتال فى الأشهر الحرم فضلا عن أن يقال نسخت الآية بقوله تعالى
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
ولعل القول بنسخها وجهه أنه قتال خاص، لكن علة تحريمه عامة وهو الوقوع فى الشهر الحرام، وفى نسخ الخاص بالعام خلاف. قالت الحنفية كل واحد ينسخ الآخر، ومذهبنا ومذهب الشافعى أن الخاص قطعى فلا ينسخ بالعام لأنه ظنى.
{ والفتنة } أى الشرك الذى عليه أهل مكة يومئذ، أو حملهم المسلمين على الشرك بالدعاء إليه وتزيينه أو إيذاؤهم المسلمين على الإسلام بالإخراج والضرب وأنواع الأذى، وهذا الوجه أولى وعليه الأكثر. { أكبر } إثما وعقوبة وقبحا. و { من القتل } قتل ابن الحضرمى فى الشهر الحرام، لأن الشرك بالقلب وإيداء المسلمين على الإسلام لا يحلان بوجه، بخلاف قتل المشرك، ولا سيما إن كان قتله مبنيا على الخطأ فى الاجتهاد والغلط فى الحساب. { ولا يزالون يقاتلونكم } على الإسلام. { حتى يردوكم عن دينكم } حتى إما للغاية على اعتقادهم، أى أنهم اعتقدوا، أى المشركون، { ولا يزالون يقاتلونكم } حتى ترجعوا إلى الشرك، وإما للتعليل، أى ليردونكم عن دينكم كقولك اعبد الله حتى تدخل الجنة، أى لتدخلها، ويناسب التعليل قوله تعالى { إن استطاعوا } ردكم عن دينكم حيث أورد كلمة إن فى مقام الجزم بعد وقوع استطاعتهم على الرد للإشارة، إلى أن ذلك طمع فارغ بعيد كل البعد، وما يستبعد وقوعه لا يجعل غاية، فإن الحمل عليها إنما يحسن فيما لا يكون ترتبه على الفعل بعيدا، والاستطاعة مستبعدة جدا على حد قول من يتق من نفسه أنه لا يغلبه مثله فى الحرب، إن ظفرت بى فاقتلنى ولا ترحمنى ووجه جواز الغاية أن الاستطاعة غير بعيدة فى طمع الكفار، لأنهم يطمعون فى رد المسلمين عن دين الله سبحانه وتعالى، ولما ذكر أن غرضهم بالقتال الرد عن دين الله أوعد على الارتداد لقوله { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ويرتد مطاوع رد، يقال يرده إلى كذا فارتد، أى طاوعه فمضى إليه، ومن رده المشركون عن دينه، إلى الشرك فطاوعهم بالرجوع إلى الشرك، فمات على الشرك فهؤلاء الأخساء البعداء عن الخير، ورضى الله برجوعهم إلى الشرك قد فسدت أعمالهم الصالحات، فلا يثابون عليها فى الآخرة فهذا حبوطها فى الآخرة، ويقتل إذا ظفر به ويقاتل حتى يظفر به فيقتل، ففى الحديث عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم
" من بدل دينه فاقتلوه ولا موالاه له ولا نعصرة عند المؤمنين ولا ثناء حسن، وتبين زوجته منه، ولا يستحق الميراث من المسلمين، وهذا حبوطها فى الدنيا "
وأصل الحبوط الفساد، وأصل الحبط أن تأكل الإبل نبتا يضرها، فتعظم بطونها فتهلك، فسمى بطلان العمل بحدوث ما يفسده حبطا تشبيها له بتناول الإبل ما يضرها، فإن ارتد ثم تاب قبل الموت لم يطالب بإعادة ما عمل وثبتت له حسناته عند الشافعى، وحجته التقييد بقوله { فيمت وهو كافر } وقال أبو حنيفة الردة تحبط الأعمال مطلقا فإن تاب استأنف الأعمال وأعاد ما مضى لقوله تعالى
ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون
ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله
فأهله يقول التقييد المذكور معتبر فى قوله فأصحاب النار، وقد تكلم أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى ستة فى حاشية القواعد، ويستتاب المرتد ثلاثة أيام، فان لم يتب قتل، وبذلك قال عمر ومالك وأحمد والشافعى فى قول له وأصحاب الرأى، وفى قول آخر له يقتل بلا استنابة، وقد ذكرت مزيدا على ذلك فى جامع القواعد والحاشية، وميراثه فى بيت المال عند مالك والشافعى، ومشهور المذهب أن ماله فى الإسلام لورثته المسلمين وقد بسطت الكلام فى شرح النيل على ذلك، وقرئ حبطت بفتح الباء وهو لغة، ولما ظن عبد الله بن جحش ومن معه من السرية أنهم إن سلموا من الإثم إذا قتلوا فى الشهر الحرام، فليس لهم أجر أنزل الله تعالى { إن الذين آمنوا.. }
[2.218-219]
Unknown page