Himyān al-zād ilā dār al-maʿād
هميان الزاد إلى دار المعاد
{ ليس عليكم جناح } إثم ولا عتاب، فإن الجناح يطلق على الإثم وعلى العتاب، فهو عام لهما يجوز أن يستعمل فى أحدهما وأن يستعمل فيهما. { أن تبتغوا } فى أن تبتغوا، أى فى أن تطلبوا. { فضلا } عطاءا ورزقا. { من ربكم } بالتجر، روى البخارى عن ابن عباس كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا فى الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا فى تلك الأسواق فى مواسم الحج، وكانت معايشهم منها، فنزلت الآية، وعكاظ سوق بقرب مكة لقيس، ومجنة - بفتح الميم وكسرها والفتح أشهر وتشديد النون - سوق على بريد من مكة لكنانة بمر الظهران، وذو المجاز سوق بعرفة لهذيل، وكانوا يقيمون بعكاظ عشرين يوما من ذى القعدة، ثم ينتقلون مجنة فيقيمون بها ثمانية عشر يوما عشرة من آخر ذى العقدة، وثمانية من ذى الحجة، ويخرجون فى الثامن إلى عرفة، وقال الداودى مجنة عند عرفة وعن أبى أمامة التيمى كنت أكرى فى الحج، وكان الناس يقولون لى ليس لك حج، فلقيت ابن عمر فقلت له يا أبا عبد الرحمن إنى رجل أكرى جمالى فى الحج، وإن أناسا يقولون إنه ليس لك حج. فقال ابن عمر أليس تحرم وتلبى وتطوف بالبيت وتفيض من عرفة وترمى الجمار؟ قلت بلى قال فإن لك حجا،
" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتنى عنه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، حتى نزلت الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، وقال " ولك حج "
أخرجه أبو داود والترمذى، وقال بعض العلماء إن التجارة إن أوقعت نقصا فى أعمال الحج لم تكن مباحة، وإن لم توقع نقصا فيه فمباحة، لكن الأولى تركها لتجريد العبادة عن غيرها، لأن الحج بدون التجر أكمل وأفضل، ذكر ذلك الخازن فى تفسيره، وبعضه أخذه عن الكشاف، وروى الكشاف فدعى به فقال أنتم حجاج، وسئل عمر هل كنتم تكرهون التجارة فى الحج؟ فقال نعم ولكن نزلت الآية رافعة للكراهية. وقرأ ابن عباس فضلا من ربكم فى مواسم الحج، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج، وإذا دخل العشر كفوا عن التجر والبيع والشراء، فلم تقم لهم سوق، ويسمون من يخرج بالتجارة الداج، ويقولون هؤلاء الداج، وليسوا بالحاج، وعن عبيد الله بن أبى يزيد سمعت عبد الله بن الزبير، وبلغه أن ناسا يتأثمون من التجارة فى الحج، وقال يقول الله { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } ، يعنى به التجارة فى مواسم الحج، وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بالتجارة فى الحج فى الفريضة وغيرها، وروى مجاهد عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين تحرجوا عن التجر فى مواسم الحج فنزلت الآية.
{ فإذا أفضتم } يجوز أن تكون الهمزة للتعدية والمفعول محذوف، أى إذا أفضتم أنفسكم، ويجوز أن تكون للتأكيد فيكون أفاض بمعنى فاض ما زاد عليه إلا بالتأكيد، فهو لموافقة المجرد، وذلك من قولك فاض الماء وأفضته بمعنى خرج بسرعة، ولكثرة بالنسبة لموضعه، وأخرجته بسرعة وكثرة كذلك، ويجوز أن يكون المراد بالإفاضة مطلقا الخروج بسرعة أو بغيرها، كما ذكروا عن عمر أنه أفاض من عرفات وبعيره يجتر، أى سار على هيئته، وتجوز الإفاضة على الدابة، كما فعل صلى الله عليه وسلم والصحابة، وروى البخارى ومسلم عن ابن عباس
" أن أسامة بن زيد كان رديف النبى صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، ولم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة "
وروى الربيع عن أبى عبيدة عن جابر ابن زيد
" سأل أسامة بن زيد كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع حين دفع؟ قال كان يسير العنق، فإذا وجد فرجة نض "
، والنض فوق العنق، وهو السرعة فى السير، وكذا روى البخارى ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه، قال سأل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إلخ الحديث بلفظه المذكور، إلا أنه ليس فيه قوله حين دفع وإلا أن فيه فجوة مكان فرجة، وهما بمعنى. وروى البخارى
" عن ابن عباس أنه دفع مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل، فأشار بصوته إليهم فقال " يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع "
والإيضاع السير السريع. { من عرفات } جمع عرفة، وعرفة بالإفراد، ومنع الصرف علم على البقعة التى هى مخصوصة، وقعت التسمية لها فى قصة آدم أو إبراهيم أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم اعتبرت كل بقعة من البقع التى تليها، فسيمت عرفة، فجمعن على فرعات بنية العلم لتلك البقع كلها، وأصل عرفة عرفت باسكان الفاء وفتح التاء أو ضمها، ولما سميت به البقعة فتحت الفاء فكانت التاء هاء يقع عليها الإعراب، أعنى كان تاء تكتب بصورتها، ويجوز أن يكون عرفات جمع عرفه، وعرفه جمع عارف، ككامل وكملة، وإن قلت إن كان عرفات علما فلم صرفت وفيه التأنيث مع تلك العلمية، قلت ليس تنوينه وجره بكسرة صرفا، بل تنوينه للمقابلة كما هو شأن جمع السلامة لمؤنث زعم بعض أنه يجتمع مع اللام، وليس كذلك، والصواب أنه لا يجتمع التنوين مع أل، سواء كان للمقابلة إلا النون المزيدة بغير أن تكون بطريق التنوين، وذهاب الكسرة تابع لذهاب التنوين من غير عوض، لعدم الصرف، ووجودها تابع لوجوده، وهنا ليس كذلك لما لم يحذف التنوين لم يحذف الكسر، وزعم بعض أن تأنيث عرفات إما أن يكون بالتاء المذكورة وهى ليست تاء تأنيث، وإنما هى مع الألف التى قبلها علامة جمع المؤنث، وإما بتاء مقدرة كما فى سعاد، ولا يصح تقديرها، لأن المذكورة تمنعه من حيث إنما كالبدل لاختصاصها بالمؤنث، كتاء بنت، وليس كما قال، إلا أن تاءه جمع السلامة يكتفى بها فى الثانية إلا إن تبين أن مفرده مذكرا، ويرجع الضمير مثلا إليه مؤنثا كطلحة - لرجل - وطلحات، ولأن تقدير التاء فى التأنيث كاف، ولو لم يقبلها اللفظ، ولأنه ليس كل تأنيث إما بالتاء وإما بالألف، كحبلى فإنا نعرف الإسم بعلامة وبلا علامة، ولا نسلم أن المؤنث بلا علامة تقدير فيه تاء التأنيث، وإنما ذلك فى الثلاثى بشروط.
Unknown page