356

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

" تناكحوا تناسلوا فإنى مكاثر بكم الأمم "

أى اطلبوا بالنكاح ما كتب الله لكم من الولد فى الجملة، فإن كان أحدكم ممن قضى الله له بالولد رزق الولد، فتدل الآية عندى عن النهى عن العزل، وهو أن يجامع ويهرق الماء فى الخارج، فهذا لا يجوز بمقتضى هذه الدلالة ولو فى السرية، وفيه فروع ذكرتها فى شرح النيل، منها المنع فى الحرة، والجواز فى الأمة، وقيل اقصدوا ما كتب الله لكم من إباحة الجماع ليلة الصيام، لأنه المذكور فى قوله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } وقوله { فالآن باشروهن } وقيل اقصدوا ما كتب الله لكم من إباحة الجماع والأكل والشرب، لأن الأكل والشرب ولو لم يذكر، بل يذكران بعد لكنهما قد كتبهما الله لنا ليلة الصيام، وفى الآية نسخ تحريمهما ولو تأخر ذكرهما، ويحتمل القولين، قول قتادة ما كتب الله لكم من الإباحة بعد الحظر، وقيل اقصدوا محل الجماع وهو القبل، محل الحرث دون الدبر مخرج الفرث، ويحتمل أن يكون { باشروهن } بمعنى مسوهن للتلذذ مسا يكون مقدمة للجماع، وابتغوا ما كتب الله لكم بمعنى جامعوهن واطلبوا ما كتب لكم من الولد بالجماع، وقيل اقصدوا ليلة القدر، فإنها نفع لنا مخصوصة، وما كتب الله لكم من الثواب إن أصبتموها وقمتموها، وهو قول بعيد قريب من أقوال الصوفية، وقرأ ابن عباس وابتغوا ما كتب الله لكم. وقرأ الأعمش وآتوا ما كتب الله لكم. { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } شبه أول ما يظهر من الفجر المنتشر، وما يمتد فوقه من بقية الليل ، بخيط أبيض وخيط أسود، ففى الخيط الأبيض استعارة تصريحية، وفى قوله { الخيط الأسود } استعارة تصريحية أيضا، ومن الفجر قرينة، ولو جعلنا من للبيان، فكما أن زيدا أسد من الاستعارة على التحقيق الذى هو مختار السعد، ولو اجتمع فيه المشبه والمشبه به، كذلك الآية لأنه تمت الاستعارة، وجاء بعد تمامها قوله { من الفجر } قرينة وبيانا للخيط الأبيض، ويقدر بيان الخيط الأسود هكذا، وبقية الليل، فلو قلت جاء أسد له لبد وزئير وأظفار وافرة وهو زيد، لم يخرج عن الاستعارة بقولك هو زيد، هذا ما ظهر لى، وقد كنت أول مما رستى لفن البيان أقول إن هذا تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه، أى حتى يتبين لكم مثل الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأعلل ذلك بأن الاستعارة لا يجمع فيها بين المشبه والمشبه به، والمشبه هنا مذكور وهو الفجر، والمشبه الآخر مقدر مدلول عليه بذكر الفجر، أى من الفجر أو بقية الليل، فقوله من الفجر مع ما قدرنا قرينة التشبيه كما هو قرينة الاستعارة، لأن التشبيه البليغ بحذف الأداة محتاج إلى قرينة لفظية أو حالية، كالاستعارة والمجاز المرسل، وسواء فى ذلك جعلنا من للبيان أو للتبعيض، فإن كون الخيط الأبيض والأسود بعضا من الفجر، وبقية الليل قرينة، وبيان على أن ليس المراد حقيقة الخيط الأبيض والأسود، وإن قلت كيف صح أن يكون ذلك بعضا مع أن الفجر كله خيط؟ قلت صح على أن المراد بالخيط الأبيض ما يلى السواد فقط، وبالأسود ما يلى الأبيض فقط، وأن كلا من الفجر وبقية الليل بعض من مجموع الفجر وبقية الليل، وأوان الخيط الأبيض وهو الفجر الظاهر كله بعض من مجموع ذلك الفجر، والفجر الذى خفى بجبل أو أرض، والخيط الأسود بعض من مجموع بقية الليل، ومن الفجر حال من الخيط الأبيض سواء جعلنا من للبيان أو للبتعيض، والمحذوف حال من الخيط الأسود بواسطة العطف، سواء قدرناه بدون من لأنه معطوف على مدخول من، فله أحكام الجار والمجرور من التعلق واستتار ضمير الاستقرار فيه، والنيابة عن الاستقرار ، وقدرناه بمن هكذا من الفجر ومن بقية الليل، والظاهر أن قوله { من الفجر } نزل مع ما قبله فى وقت واحد، وروى البخارى ومسلم عن سهل بن سعد أنه قال لما نزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ولم ينزل قوله { من الفجر } كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم فى رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله عز وجل { من الفجر } فعلموا أنه إنما يعنى الليل والنهار، روى البخارى ومسلم أيضا،

" عن عدى ابن حاتم، لما نزلت { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ، عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتى، وجعلت أنظر فى الليل فلا يستبين لى، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار "

وظاهره أيضا لم ينزل من الفجر حين فعل ذلك عدى، ونزل بعد أو نزل ولم يعلم، ويحتمل أن يكون نزل وعلم، ولكنه فهم أن الحد أن يميز أحد الخيطين من الآخر بضوء الفجر، وأنه ما لم يمتاز أحل له الأكل، ولو انتشر الفجر، ونص صاحب الوضع - رحمه الله - على أنها نزلت كلها قبل فعل عدى ذلك.

قال وقيل

" إن النبى صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية لعدى بن حاتم حين علمه الصوم فقال له " صم كذا وكذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود وصم ثلاثين وما إلا أن تروا الهلال قبل ذلك " قال عدى فأخذت خيطين من شعر أبيض وأسود، فجعلت أنظر فيهما فلا يتبين لى شئ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه وقال " يا بن حاتم إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل وظلمته "

فتراه قال فسر له الآية والآية اسم للآية إلى آخرها، وأيضا قد ذكرها كلها قبل إذ قال وإنما الصيام بالنهار دون الليل لقول الله تعالى { كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }.. الآية، وكان السبب فى نزول هذه الآية - على ما ذكر أهل التفسير -

" أن رجلا من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة، ظل النهار يعمل فى أرض له وهو صائم، فلما أمسى رجع إلى أهله وقال لها قدمى الطعام، فأرادت أن تطعمه شيئا سخونا فأخذت تصنع له، وكان الصوم الأول إذا صلى الرجل العشاء أو نام حرم عليه الطعام والشراب والجماع، فلما فرغت من عمل الطعام وجدته قد نام بالعياء والكلل، فأيقظته، فكره أن يعصى الله ورسوله فأبى أن يأكل، فأصبح صائما مجهودا، فلم ينتصف النهار حتى غشى عليه، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا قيس مالك أمسيت طليحا؟ " فقال ظللت أمشى فى النخل نهارى كله، أجر بالجرير فلما أمسيت أتيت أهلى فأرادت المرأة أن تطعمنى شيئا سخينا وأبطأت عنى ونمت، فأيقظونى وقد حرم على الطعام والشراب، فطويت فأصبحت من يومى وقد أجهدنى الصوم، فاغتم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى { كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } الآية "

انتهى. لكنه قال إن سبب نزول الآية أبو قيس، والجواب أن مراده بالآية هو قوله { وكلوا واشربوا } الآية، تسمية للبعض باسم الكل، فإن أول الآية هو قوله { أحل لكم ليلة الصيام } وقد ذكر أيضا قبل هذا أن قوله { أحل لكم } سبب نزوله قصة عمر وشبهه، فسبب نزول { أحل لكم } من جامع، وسبب نزول { كلوا واشربوا } قصة أبى قيس أو قصته مع قصة من أكل أو شرب بعد النوم أو بعد صلاة العشاء. والكلل ضد النشاط، والطليح من عيى أو هزل، والجرير حبل يجعل على شدق البعير كأن أبا قيس ربطه بما يحمل فيه التراب، فجعل يجره به، وطويت بكسر الواو جعت.

والناجذ من آخر الأضراس، وفى رواية البخارى ومسلم السابقة عن سهل بن سعد دلالة على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والمذهب عندنا وعند أكثر قومنا المنع ، فالجواب أنهم اعتبروا حقيقة الخيطين فى صوم النفل قبل رمضان، ولم يدخل رمضان حتى نزل قوله { من الفجر } وتأخير البيان إلى وقت الحاجة مختلف فيه. الصحيح الجواز، وما ذكره صاحب الوضع - رحمه الله - من قصة أبى قيس قد ذكره أيضا البخارى عن البراء، لكن سماه قيسا لا أبا قيس، وفى رواية صرمة بن قيس قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وأن قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى أمرأته فقال عندك طعام؟ قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قال خيبة لك، فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ففرحوا بها فرحا شديدا، فنزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } والفاء فى قوله فنزلت هذه الآية ليست سببية، فلا ينافى ما تقدم من أنها نزلت فى عمر ونحوه. وقالت المالكية لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وبجوز تأخيره إلى وقتها، ومنع أكثر المتكلمين تأخيره إلى وقت الحاجة، وكذا أكثر الفقهاء وهو قول أبى هاشم وأبى على، ولم يصح عندهم الحديث، ومن أجازه قال إنه خارج عن العبث، لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب، ويعزم على الفعل إذا ظهر موضحه. قال عياض كان بين طرفى المدة عام من رمضان إلى رمضان تأخير البيان إلى وقت الحاجة. وذكر غير سهل بن سعد من الصحابة ما ذكره سهل، وروى

Unknown page