وأن تصوموا خير لكم
وأنزل فيه القرآن، والفاء فى قوله { فليصمه } رابطة لجواب من، ويجوز أن يكون شهر رمضان مبتدأ خبره من، وشرطها وجوابها فتكون الفاء فى { فمن شهد } زيدت لوصف المبتدأ بما تضمن معنى الشرط، ومقتضى الظاهر فمن شهده منكم فليصمه، وموضع الظاهر موضع المضمر للتعظيم، وإذا جعلنا من شهد تفريعا على قوله { أنزل فيه القرآن } أو جعلناه وما بعده خبرا لرمضان، أفاد التفريع أن كون الصوم خيرا سبب لوجوبه، وأفاد الإخبار بذلك على رمضان، أن إنزال القرآن فى رمضان سبب لوجوب الصوم، لأن الذى كالمشتق، وتعليق الحكم بالشتق، يؤذن بعليته ورمضان موصوف بالذى فله حكم الذى. { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } هذا تخصيص من عموم من شهد الشهر، فإن المريض، والمسافر ممن شهده، لكن لما لم يطق بالمرض، أو شهده فى غير وطنه لم يجب عليه الصوم، وكرر لهذا التخصيص، أو لئلا يتوهم نسخ عدم وجوب الصوم على المريض والمسافر بعموم { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } كمن نسخ به
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
وإن قلت فمن لم ير الهلال، ولكنه أخبر وليس مسافرا ولا مريضا ولا غير قادر، فهل يصوم؟ قلت يلزمه الصوم لأن معنى شهادة الشهر دخول الشهر وهو فى وطنه، وحكم أميال وطنه حكم وطنه، وإن قلت فقد قدرت فى وجهين من شهد الهلال، قلت شهادة غيره إياه فى حكم شهادته، ويكفى الواحد المتولى إذا كان حرا، قيل ولو امرأة أو أمه أو عبدا إن لم يجر لنفسه نفعا فى خبره، أو يدفع به ضرا، وهذا مذهبنا، وبه قال أبو ثور، وأما الإفطار فلا يجوز إلا بأمينين عندنا وعند الشافعى، وأجازه قوم من المخالفين أيضا بواحد متولى، وقال مالك لا يصام إلا بأمينين، ولا يفطر إلا بهما كسائر الشهادات.
{ يريد الله بكم اليسر } السهولة فى جميع تكاليفكم. { ولا يريد بكم العسر } الحرج، ولذلك أباح الإفطار للمريض والمسافر، وحمل الآية على العموم أولى من أن يقول يريد الله بكم اليسر فى الإفطار للمرض أو للسفر، ولا يريد بكم العسر بإلزام المريض والمسافر الصوم، كما قال مجاهد والضحاك اليسر الفطر فى المرض والسفر، والعسر الصوم فيهما، وأخذ بعضهم من الآية أن الإفطار فى السفر أولى، قال أبو حمزة إن كتاب الله قد جاء بذلك، ورب الكعبة قال الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وعن ابن عباس إنما أراد الله بالإفطار فى السفر اليسر عليكم، فمن يسر عليه الصوم فليصم، ومن يسر عليه الإفطار فليفطر، وفى خبر آخر ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحب إلى الله تعالى. وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت ما عرض لرسول الله، صلى الله عليه وسلم أمران إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثما، وكان أبعد الناس من الإثم، وما غضب رسول الله لنفسه قط، وروى البخارى عنه - صلى الله عليه وسلم
" يسروا ولا تعسروا "
وكان يحب التخفيف واليسر على الناس، وروى البخارى ومسلم بسندهما عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" يسروا ولا تعسروا سكنوا ولا تنفروا "
وروى البخارى ومسلم، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبى
" يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا "
Unknown page