313

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

" أحلت لكم ميتتان الجراد والسمك "

وبهذا الحديث ونحوه علمنا أن الجراد حلال وجد حيا أو ميتا، أكل حيا أو ميتا، ذكر اسم الله عليه أو لم يذكر، طبخ أو لم يطبخ، وسواء مات بقطع يد أو غيرها، وإنما قطع منه حلالا يؤكل، ولو بقى الجراد حيا، وكذا الحوت فى ذلك كله، وسواء ما صيد وما وجد ميتا على الماء أو فى الساحل أو فى أسفل الماء، وما قتل بضرب أو غيره، أو جلب حيا.

ومن حديثه صلى الله عليه وسلم

" كالبحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته "

رواه الربيع رحمه الله، وكثير من المحدثين من المخالفين غير البخارى ومسلم، وهو حديث حسن صحيح، وكذا قال الترمذى حديث حسن صحيح. وكذا روى الربيع والمخالفون حديث أبى عبيدة بن الجراح، إذ كان أميرا على العسكر، ووجدوا حوتا على الساحل فأكلوا منه واصطحبوا منه للمدينة، فسألوه صلى الله عليه وسلم فقال " حلال " ، روى أنه قال " أطعمونى منه " وعن أبى أو فى غزونا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبع غزوات أو ستا، وكنا نأكل الجراد ونحن معه، أخرجه البخارى ومسلم، واختلف فى السمك الطافى على الماء. قال مالك والشافعى لا بأس به. وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح بن حبى إنه مكروه. روى عن على بن أبى طالب أنه قال ما طفا من صيد البحر فلا تأكله. وكذا قال ابن عباس وجابر ابن عبدالله، وروى عن أبى بكر الصديق، وأبى أيوب إباحته وهو الصحيح لعموم الحديثين الأولين، وللحديث الثالث، وكذا الجراد، وعن الشافعى وأبى حنيفة لا بأس بأكل الجراد كله ما أخذته وما وجدته ميتا. وفى رواية عن مالك إنما وجد منه ميتا لا يحل وما أخذ حيا يذكى ذكاة مثله بأن يقطع رأسه ويشوى، فإن غفل عنه حتى يموت فلا يحل وهو ضعيف لعموم الأحاديث فى حله مطلقا، واستثناءه من الميتة المذكورة فى القرآن والسنة، وقيل استثناؤه بالعرف وليس بشئ إذ لا وجه باستثناء بالعرف مع وجود الحديث، ويحتمل عندى أن يريد قائله إن استثناءه، صلى الله عليه وسلم، كان منه نظرا للعرف لا بالوحى، أو أن استثناءه هو خروجه بالعرف إذ لا يسمى فيه ميتة فلا يحنث به حالف لا يأكل ميتة عند الناظر للعرف، كما لا يحنث عنده بكافر من حلف لا يركب دابة، والسمك فى ذلك كله، والجراد وما قطع من حى وهو حى فهو ميتة، وهذا حديث مرفوع، ورواه الأكثرون أثرا موقوفا، وحد الميتة يشمله، لأن تلك القطعة خرجت منها الروح بلا ذكاة شرعية. { والدم } المسفوح لتقييده بالسفح فى آية الأنعام، والمحرم من الدم ما سفح من حى وما خرج بتذكيته، وأما الباقى داخل اللحم والعروق، وما اجتمع فى داخله بعد الذكاة فحلال عند الجمهور منا، وشذ من حرمه أو كرهه، وكذا قالت المالكية إنه حلال إلا شاذا منهم ذكره ابن الحاجب وغيره، وليس كذلك لما فيه من الحرج، ولقول عائشة رضى الله عنها لو حرم علينا غير المسفوح لتتبع الناس ما فى العروق، ولقد كنا نطبخ اللحم والبرمة يعلوها الصفرة.

وأما الدم داخل الميتة فنجس من حيث إنها ميتة وهو بعضها، لا من حيث إنه دم، لأنه غير مسفوح، ودم السمك طاهر عندنا حلال الأكل، لأنه إذا يبس ابيض، والدم إذا يبس أسود، ولأن ميتة السمك حلال، فما قطع منها وهى جية حلال، فالدم منها حلال، فخبر ما قطع من حى حيا فهو نجس مخصوص بغير السمك والجراد، فإنما قطع منها جبين طاهر، وكذا قال أبو حنيفة بطهارة دم السمك، وقال الشافعى دم السمك نجس، وقال كل دم نجس مفسوحا أو غير مسفوح، وزعم أن التقييد بالسفح بيان للواقع إذ كانوا يسفحون الدم فيأكلونه بعد أن يشوى، وكانوا يفصدون الإبل لذلك، وكانوا يجمعون الدم فى المصارين ويشوونها، واستثنى صلى الله عليه وسلم من الدم الكبد والطحال. روى الدارقطنى عن عبدالرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه، عن عبدالله بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال

" أحل لنا من الدم دمان ومن الميتة أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ومن الدم الكبد والطحال "

وفى لفظ آخر

" أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد "

أخرجه ابن ماجه وأحمد بن حنبل. قال أحمد، وعلى بن المدنى، وعبدالله بن زيد ضعيف، وأخرجه عبدالله بن زيد، وهو عند قومنا ثقة قوى، وضعف أبو بكر بن العربى هذا الحديث عن ابن عمر بما لا يصح سنده، وقال البيهقى يروى هذا الحديث عن ابن عمر موقوفا ومرفوعا، الصحيح الموقوف. واختلف فى تخصيص الدم بالكبد والطحال من الدم. فقال مالك لا تخصيص لأن الكبد والطحال لحمتان لا دمان، فضلا عن أن يخصصا من عموم الدم كما يشهد به العيان الذى لا يفتقر إلى برهان، وأيضا لو كانا دمين لم يكونا مسفوحين فلم يحتاجا إلى التخصيص من المسفوح وتسميتهما دمين فى الحديث مجاز لشبههما بالدم الجامد، أو هما دمان حقيقان ليسا من نوع الدم المحرم، وأيضا لا يشبههما لفظ الدم عرفا فلا يدخلان فى الدم فضلا عن أن يخصا بالحديث بيان لكونهما حلالا مع أنهما شبيهان بالدم، وبيان لنا نوعا حلال من الدم غير نوع الدم المحرم، هذا ما ظهر لى من الأوجه فى توجيه كلامه، وقال الشافعى هما دمان حقيقان من نوع الدم المحرم، أحلهما الله جل وعلا، وزعم من زعم أن الله جل وعلا نسخ بالسنة بعض اليمتة وبعض الدم، الجراد والسمك والكبد والطحال، وليس ذلك نسخا، وأقول من قلع سنه مثلا واتصل الدم ولم يرق يخشو أدواء فلا يجوز لصاحبه الأكل والشرب وبلع الريق إلا إذا خاف على حلقه أو خاف المضرة بالجوع أو بالعطش، فإنه يبلع ريقه أو يأكل أو يشرب ما يقوت به، لأن فى ذلك أكل الدم أو شربه أو بلعه، فحاله كحال المضطر له القوت فقط ما دام يطمع أن يرقى وإن لم يطمع واتصل فله الأكل والشرب والبلع كعادته حال الطهر، ومقتضى من قال إنه لا ينجس الدم حتى يخرج من حد الفم أنه يأكل ويشرب ويبلغ كالعادة ولم يصل حد الاضطرار.

Unknown page