232

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Genres

ويأتى تفسير هذه الآية فى محلها إن شاء الله، سبحانه وتعالى، ومحل تطويل مباحث النسخ أصول الفقه ولى فيه بسط يأتى قريبا، بإذن الله، إذا رأيته أغناك عن غيره إن شاء الله. { ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير } فهو قادر على نسخ ما كان وإيجاد ما لم يكن مما هو أنفع لكم أو أسهل أو أعظم أجرا، وما هو مثل المنسوخ، والاستفهام للتقرير. قال القاضى الآية يعنى ما ننسخ إلخ، دلت على جواز النسخ وتأخير الإنزال لأن الأصل اختصاص أدوات الشرط بالأمور المحتملة، وإنما جاز النسخ لأن الأحكام شرعت والآيات نزلت لمصالح العباد، وتكميل نفوسهم فضلا من الله ورحمة، ولا يخفى أن شرع الأحكام وإنزال الآيات للمصلحة والتكميل تختلف باختلاف الأعصار والأشخاص، فإن النافع فى عصر قد يضر فى آخر ، واحتج بالآية من منع النسخ بلا بدل أو ببدل أثقل، ونسخ الكتاب بالسنة، فإن الناسخ هو المأتى به بدلا، والسنة ليست كذلك، والكل ضعيف. فأما وجه ضعف منع النسخ بلا بدل فإنه قد يكون عدم الحكم أصلح، والنسخ قد يعرف بغير القرآن، وأما وجه ضعف منع النسخ بالأثقل فإنه قد يكون الأثقل أصلح، وأما وجه ضعف منع نسخ الكتاب بالسنة فإن السنة مما أتى به الله، والنسخ قد يعرف بغير القرآن، كما مر آنفا، وأما وجه ضعف الاستدلال، لأن الناسخ هو والمأتى به بدلا، والسنة ليست كذلك، فإنه ليس المراد بالخير، والمثل ما يكون كذلك فى اللفظ.

انتهى بتصرف وإيضاح. وذلك مذهب الجمهور. وخالفهم الشافعى. فمنع نسخ القرآن بالسنة بحديث البيهقى

" كلامى لا ينسخ كلام الله "

وكلام الله ينسخ بعضه بعضا ولأن الذى يأتى بخير أو مثل هو الله كما فى الآية، لا النبى. ويجاب بأن ما أتى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما أتى به الله جل وعلا، كما قال

إن هو إلا وحى يوحى

ولأن السنة لا تكون خيرا من القرآن أو مثله، ويجاب بأن محط الخيرية والمثلية الحكم لا اللفظ، ولا يبعد كون حكمها خيرا من حكمه أو مثلا له، باعتبار كونه أسهل أو أنفع أجرا. وقيل يجوز كون مراد الشافعى أنه لا ينسخ بمجرد السنة، بل مع ما يعضدها من القرآن وأنه لا تنسخ به إلا مع سنة تعضده، وإنما قيل يجوز أن يقال تعضده السنة مع أنه قوى نفسه لأنه غير السنة، فناسب حضور سنة أخرى معه، وفى نسخ بعض القرآن دليل على حدوث القرآن، إذا التفاوت والتغاير من لوازم الحدوث، ولكن لا أظن عاقلا يقول إن ألفاظ القرآن قديمة، فحقيقة الخلاف فى إثبات الكلام النفسى فأثبته المخالفون ونفيناه، لأن فيه تشبيها، تعالى الله عنه، وزعم المخالفون أن التفاوت والتغاير من عوارض الألفاظ المتعلقة بالمعنى القائم بالذات. وأجاز بعضهم عقلا نسخ جميع القرآن، وقيل يجوز نسخ جميع الشريعة عقلا، قلت لا يجوز هذا إلا فى بادئ العقل، وأما عند التدقيق للنظر فلا يجوز ذلك عقلا، كما لا يجوز شرعا، وقيل لا يجوز فى البعض نسخ اللفظ دون الحكم، ولا العكس، لأن الحكم هو ما دل عليه اللفظ، فإذا قدر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الآخر، فإذا نسخ اللفظ نسخ الحكم، وإذا نسخ الحكم نسخ اللفظ، فلا يجوز إلا نسخ اللفظ والحكم معا، ويجيب معشر من أجاز نسخ أحدهما إنما يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر لو كنا قد لاحظنا فى الحكم كونه مدلولا للفظ، وفى اللفظ كونه دالا على الحكم، إذ المدلول باعتبار كونه مدلولا ليس يوجد بدون الدال عليه، والدال باعتبار كونه دالا ليس يوجد بدون المدلول، لكن لم نلاحظ ذلك فلا يلزم ما ذكر، فإن بقاء الحكم دون اللفظ ليس بوصف لكون الحكم مدلولا بلفظ، وإنما هو مدلول لما دل عليه بقاؤه وهو الناسخ، كأمره صلى الله عليه وسلم برجم ماعز كما فى صحيح البخارى ومسلم، وانتفاء الحكم دون اللفظ ليس بوصف كونه مدلولا له، فإن دلالة اللفظ على الحكم وصفية لا تزول، سواء نسخ أو لا، وإنما يرفع النسخ العمل به.

والله أعلم. ونسخ اللفظ قسمان إما إفناؤه من المصاحف والقلوب، وإما إزالته من أحكام القرآن، فيجوز للجنب والحائض والنفساء قراءته ومسه، ودلالته على معناه أمر وضعى ليس مشروطا ببقاء هذه الأحكام، فموضع نسخ يفهم منه معناه، ونسخ الحكم ليس معناه عدمه، فإنه معنى ثابت مفهوم من اللفظ بل معناه عدم العمل به. وقد يقال لا مانع من كون بقاء الحكم دون اللفظ هو بوصف كونه مدلولا، فإن اللفظ ولو نسخ هو دال على ذلك الحكم، وذلك الحكم مدلول له ومفهوم منه. والله أعلم. وتقدم جواز النسخ قبل الامتثال، ويجوز على الصحيح قبل التمكن من الامتثال بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما يسعه أم أمر به على الفور بلا وقت معين. وقيل لا يجوز لعدم استقرار التكليف. ورد بأن الاستقرار يتحقق بدخول الوقت وإن لم يمض ما يسع الفعل، واستقرار التكليف هو حصول التعلق التنجيزى، فالدليل لا يشمل المدعى بشقيه، ويجاب بعدم تسليم كون استقرار التكليف هو حصول التعلق التنجيزى، لأن حصول التعلق التنجيزى أصل التكليف لا استقراره، لأن التكليف إلزام ما فيه كلفة أو طلبه وهو الأمر والنهى، ولا إلزام ولا طلب قبل الوقت، بل لا يتحقق إلا بعد دخول الوقت، ثم إن الأمر أو النهى يتعلق بالفعل قبل المباشرة بعد دخول وقته إلزاما وقبله إعلاما، والتعلق الإعلامى ليس تكليفا، ولذا صرح المخالفون بجواز النوم قبل الوقت، وإن علم أنه يستغرق الوقت. وفسروه بأنه غير مكلف، ولا نقول بجواز النوم قبله لمن علم بالاستغراق، لأن ما يؤدى إلى حرام حرام، وما يؤدى إلى واجب واجب، فترك النوم لمن لم يطمع فى الانتباه قبل فوت الوقت من تعلقات التكليف، وهو مكلف بتركه، ولك تفسير الاستغراق بدخول الوقت، ومضى زمان يسع الفعل، ويصح الرد على مانع النسخ بأنه يكفى النسخ وجود أصل التكليف وهو أوله، كما تقول لعبدك افعل كذا وتأمره على الفور بتركه رحمة له، فينقطع التكليف بالنسخ، وقيل وقد وقع النسخ قبل التمكن فى قصة ذبح إسماعيل إذ فداه الله جل وعلا بذبح عظيم، قيل وضع السكين على منحره ويبعد أن يكون النسخ فيه بعد التمكن لمبادرة الأنبياء إلى امتثال الأمر ولو كان موسعا. ألا ترى أن إبراهيم صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعليه لما أمر بالاختتان اختتن بالقدوم، فتألم مدة مديدة، فشكى إلى الله ذلك التألم، فأوحى الله إليه تعجلت قبل أن أخبرك بالآلة، فقال امتثالا لأمرك يا رب والله أعلم.

وقيل لا يجوز نسخ بعض السنة ببعض القرآن لقوله تعالى

وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم

فجعل النبى صلى الله عليه وسلم مبينا للقرآن، فلا يكون القرآن مبينا لسنته، ومذهبنا كالشافعية والجمهور الجواز، لأن الذكر المنزل يعم القرآن والسنة، لأنها وحى يوحى، فالقرآن منزل لفظا ومعنى، والسنة معنى، وسنته الاجتهادية لا تنسخ بعض القرآن، فإن الصحيح أنه يجتهد ولا يوافق إلا الصواب، ولقوله تعالى

Unknown page