يعكفون على أصنام لهم
وكانت على صور البقر، فقال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فاغتنم السامرى مقالتهم ليفتنهم بعبادة العجل، فلما رأى موضع حافر الفرس يخضر فى الحال قال إن لهذا شأنا، فأخذ من تحت حافره ترابا، وذلك حين جاء جبريل ليذهب بموسى للميقات، وقيل حين دخل البحر خلف قوم موسى، وقيل أنكر هيئته فعرف أنه ملك حين دخل البحر، وقيل عرفه من حيث ولدته أمه عام الذبح فأطبقت عليه أمه فى غار فوكله الله أن يغذوه بأصبع نفسه، أعنى بأصبع السامرى، فيجد فى أصبع لبنا وفى أصبع عسلا وفى أصبع سمنا، وألقى فى روعه أنه لا يلقى ذلك التراب فى شىء، وما قال له كن كذا إلا كان، ولا يلقيه على ميت إلا حيى، ولما مضى موسى للميقات وقد وعدهم أربعين ليلة حسبوا عشرين يوما وعشرين ليلة، فقالوا هذه أربعون من الدهر وقد أخلفنا موسى الوعد، وبدأ تعنتهم وخلافهم، فقال لهم السامرى إنما بأيديكم من حلى القبط غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفيرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى ويرى فيها رأيه، وقيل أمرهم هارون بذلك، وقيل قال السامرى أحضروه لتأكله النار التى كانت تأكل القرابين، وقيل أوقد نارا وأمرهم بطرح ذلك فيها فطرحوا. وعلى كل قول لما اجتمع ألقى فيه التراب الذى أخذه وقال كن عجلا، وصححه بعض ونسبه للأكثر وقيل إنه صاغه عجلا فى ثلاثة أيام، ورصعه بالجوهر، وألقى فيه التراب وخاره خوره. والصحيح تعدد الخوار منه كما يتبادر من قوله عز وعلا { له خوار } قيل كان يخور ويمشى وجسمه باق ذهبا وجوهرا، ونسبه بعض للجمهور وصححه، وقيل صار لحما ودما، وبه قال الحسن بن أبى الحسين، وكل ذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى، وعبدت طائفة ذلك العجل واعتزلهم هارون بمن معه، وقال لهم السامرى هذا إلهكم وإله موسى، فنسى أى تركه هنا غفلة عنه وخرج يطلبه.
وروى أنه لما مضى عشرون يوما عدوا أربعين بالليالى، ولم يرجع موسى فوقعوا فى الفتنة، وقيل وعدهم موسى ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم فى تلك العشرة لما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى، ظنوا أنه قد مات، ورأوا العجل فسمعوا قول السامرى وعكف عليه ثمانية آلاف رجل يعبدونه، وقيل عبدوه كلهم إلا هارون مع اثنى عشر ألف رجل قيل، وهذا أصح. ويروى أنهم لما جاوزوا البحر قالوا يا موسى آتنا بكتاب من عند ربنا كما وعدتنا، وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا معه، فلما تجهزوا قال الله لموسى أخبر قومك أنك لن تأتيهم إلى أربعين ليلة قد أتممناها بعشر، وقال الحسن كانت أربعين وأول يقول واعدنا موسى ثلاثين ليلة وبعدها عشر، وهذا معنى قوله
وأتممناها بعشر
كقوله
فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة
قال الكلبى لما خرج بالسبعين أمرهم أن ينتظروه فى أسفل الجبل، وصعد موسى الجبل فكلمه ربه وكتب له فى الألواح، ثم إن بنى إسرائيل عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة، وقالوا قد أخلفنا موسى الوعد، وجعل لهم الوعد وجعل لهم السامرى العجل فقال هذا إلهكم وإله موسى فعبدوه. قال الكلبى بلغنى والله أعلم أن الله قال عند ذلك يا موسى إن قومك قد عبدوا من بعدك عجلا جسدا له خوار، فرجع موسى إلى قومه ومعه السبعون ولم يخبرهم موسى بما أحدث بنو إسرائيل، فلما غشى موسى محلة القوم سمعوا اللغط حول العجل، فقال السبعون هذا قتال فى الحلة، فقال موسى ليس بقتال ولكنه صوت الفتنة، فدخل موسى فنظر ما يصنع بنو إسرائل حول العجل، فغضب فألقى الألواح فانكسرت وارتفع ما فيها إلا سبعة
فأخذ برأس أخيه يجره إليه فقال له يا ابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى
فأرسله موسى وأقبل على السامرى فقال ما خطبك يا سامرى؟ ولم صنعت ما أرى؟ قال بصرت بما لم تبصروا به، يعنى بنى إسرائيل. قال وما الذى بصرت به؟ قال رأيت جبريل على فرس وألقى فى نفسى أن أقبض من أثره قبضة، فلما ألقيت عليه منها شيئا كان له روح ودم، وهذا الكلام من عدو الله يقوى قول من قال إن العجل صار لحما ودما، فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلها، فكذلك سولت لى نفسى أن أصنع إلها، ثم ألقى عليه القبضة فيصير ربا لبنى إسرائيل فيعبدوه بين ظهرانيهم، فغضب موسى فأمره أن يخرج من محلة بنى إسرائيل ولا يخالطهم فى شيء، فأمر بالعجل فذبح ثم أحرقه بالنار، فمن قرأها لنحرقنه باسكان الحاء يريد بالنار، ومن قرأ بالفتح والتشديد فبالنار أو بالمبرد والأول أحسن فيما قيل، لأن الحريق للذهب الذى لا تأكله النار آية عجيبة لموسى، لكن لا تناسب ما مر من صيرورته دما ولحما، ولعله برد لحمه وعظمه بالمبرد.
قيل لما أحرق أو برد ذراه موسى فى البحر وأتاهم موسى بالحلال والحرام والحدود والفرائض، ولما نظروا إليه قالوا لا حاجة لنا فيما أتيتنا به، فإن العجل الذى أحرقته كان أحب إلينا مما أتيتنا به، فلسنا قابليه ولا آخذين ما فيه، فقال موسى يا رب إن عبادك بنى إسرائيل ردوا كتابك، وكذبوا نبيك، وعصوا أمرك، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل فغشوا بنى إسرائيل حتى أظلوا به فحال بينهم وبين السماء، فقال موسى إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه، وإما أن يلقى عليكم الجبل فيشدخكم، فقالوا سمعنا وعصينا أى سمعنا الذى تخوفنا به، وعصينا الذى أمرتنا به ثم أخذوا الكتاب، ولم يجدوا بدا من أخذه ورفع عنهم الجبل، ونظروا فى الكتاب فبين راض وكاره ومؤمن وكافر.
Unknown page