وقال في مكانٍ آخر محاولًا الجمع بين القولين: "ويجمع بتعدُّد السبب بأن يكون لما صحَّ١ ذهب للتجارة فنهبوه، فرجع وأخبره ﷺ"٢.
قلت: ذلك يقتضي أنَّ زيد بن حارثة ﵁ خرج ثلاث مرَّات خلال شهرين، وهو أمر متعذّر لصعوبة المواصلات في ذلك الوقت، ومشقة السفر خاصّةً وأنه قد ذكر أنَّ زيد قد جرح جراحًا بليغة في المرَّة الأولى حتى اعتقد بنو فزارة بأنَّه قد مات، وشفاؤه من تلك الجراح يتطلب وقتًا ليس بالقصير، كما أنه من المستبعد أن يخرج للتجارة مارًّا بديار أولئك القوم الذين بدت عداوتهم للمسلمين وخاصّةً أنَّ زيدًا ﵁ قد غزاهم في المرّة الأولى، فخروجه لمجرَّد التجارة يُعَدُّ مجازفة عظيمة، ما كان للنبي ﷺ أن يوافقه عليها أبدًا.
لذلك أرى أنه لا يمكن الجمع بين القولين، بل لابدَّ من ترجيح أحدهما على الآخر، وهو في نظري قول ابن إسحاق، فهو بالإضافة إلى كونه أقوى إسنادًا مدعومًا بالواقع، فالمسلمون في تلك الفترةلم يفرضوا سلطانهم على تلك المنطقة بَعْدُ، حتَّى تصبح طريقًا سالكةً لتجارتهم إلى الشام، بل كانوا في موقف المواجهة مع القبائل القاطنة في تلك المنطقة خاصّةً وأنَّها حليفة قوية ليهود