Ghazwah of Mu'tah and the Northern Saraya and Prophetic Missions
غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية
Publisher
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
مقدمة
أهمية الدّراسة، وسبب اختيار الموضوع:
لقد هيأ الله ﵎ أن أكون أحد خُدّام سيرة المصطفى ﷺ خلال العشر سنوات التي مضت من عمري، منذ أن سجّلت في الدّراسات العليا، حيث كانت البداية في مرحلة الماجستير، التي وفّقني الله ﷿ فيها باختيار موضوع السرايا والبُعُوث النبويّة، كبحث لرسالة الماجستير، لأرتبط منذ البداية ذلك الارتباط المحبَّب إلى نفسي منذ نعومة أظفاري، مع سيرة أحبّ الخلق وأكرمهم على الله ﵎، محمّد ﷺ، وسيرة أصحابه خير الخلق وأفضلهم بعد نبيّه ﷺ.
ولأنّ السرايا والبعوث النبوّية كانت كثيرة جدًا، فقد تمّ الاقتصار في الدراسة على السرايا والبعوث النبوّية حول المدينة ومكّة.
ولقد كانت تلك الدراسة دراسة نقدية وتحليلية لروايات السرايا والبعوث، غير مسبوقة - حسب اعتقادي - من حيث النقد والتحليل والتنظيم.
وكانت تلك تجربة شيقة وممتعة بالنسبة لي، رغم ما اكتنفها من صعوبات.
ولما طُلِبَ مني اختيار موضوع لرسالة الدكتوراه، أصرّ الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري - حفظه الله تعالى - الذي تولّى الإشراف عليَّ في مرحلة الماجستير، وجزءًا غير قليل في مرحلة الدكتوراه - على أن
1 / 19
أكمل دراسة بقية السرايا والبُعُوث، فكان ذلك الإصرار دافعًا قويًّا لي لمتابعة العمل، رغم علمي المسبق نتيجة التجربة السابقة أنّه لن يكون عملًا هيِّنًا.
فتقدّمت إلى القسم لتسجيل الموضوع، وذلك بعد وضع الخطة المناسبة التي وزَّعت عليها ما تبقى من السرايا والبعوث النّبوّيّة، وأضفت عليها غزوة باعتبار أنّها تدخل ضمن نطاق السرايا والبعوث النّبوّيّة، وذلك حسب اصطلاح أهل المغازي في تعريف الغزوة والسرية١. فكان العدد حوالي خمسٍ وأربعين سرية، نصفها مسند بروايات لدى كُتُب الحديث، والتفسير، وأسباب النّزول، والسيرة النّبوّيّة، والدلائل، وكتب التاريخ، وغيرها من المصادر، والنصف الآخر مرويّ بلا إسنادٍ في كتب السيرة والتاريخ.
وتشمل تلك السرايا والبعوث سرايا تأديبية، وبعوث دعوية، وأخرى قتالية، وسرايا تحطيم الأصنام، بالإضافة إلى سرية مؤتة التي أفردت لها فصلًا خاصًّا لكثرة وتعدّد الروايات الخاصّة بها.
كما تشتمل الخطّة على سرايا مبهمة، وأخرى لم ترد فيها روايات مفصَّلة، وهي تصل في عددها إلى أكثر من ثلاثين بعثًا وسرية.
وبعد أن عُرِضَ الموضوع على مجلس الكليّة الموقَّر، رأى المجلس اختصار الموضوع بتقليص عدد السرايا والبعوث بالتنسيق مع فضيلة المشرف.
_________
١ انظر: بريك محمّد أبو مايلة: السرايا والبعوث النّبوّيّة حول مكّة والمدينة: ٤٣.
1 / 20
وبعد مناقشة الأمر مع فضيلته، اقترح عليَّ أن أقتصر على غزوة مؤتة مع السرايا والبعوث النّبوّيّة الشَمالية. وفعلًا تمَّ اختيار الموضوع بهذا العنوان: [غزوة مؤتة، والسّرايا والبعوث النّبوّيّة الشّماليّة - دراسة نقدية] .
إنّ الأهمية التي تمثلها هذه الدراسة، هو أنّ معظم الدراسات الحديثة للسرايا والبعوث النبوية هي في الغالب سرد المعلومات المختلفة التي وردت عنها في المصادر القديمة دون تمحيص، وبخاصّة ما ورد عنها في مغازي الواقدي، وتلميذه ابن سعد في طبقاته، باعتبارهما من المصادر القليلة القديمة المتوفرة التي أفردت أبوابًا كثيرة للسرايا والبعوث، مع إيراد معلومات مفصَّلة عن الأحداث، وقد يُعْذَرُ الباحثون المعاصرون في اعتمادهم هذين المصدرين فقد اعْتُمِدَ عليهما من قِبل معظم كُتّاب المغازي المتأخرين، أمثال ابن سيد الناس، والمقريزي، والحلبي، والشامي، والقسطلاني، والذهبي، وابن حجر، وابن القيم، وغيرهم.
وإنّه من استقراء منهجَي الواقدي، وتلميذه ابن سعد، في رواياتهما عن السرايا والبعوث، فقد لاحظت أنّ الواقدي يحشد معلومات وفيرة، وتفصيلية عن الأحداث، وربما ينفرد بها عن غيره من أهل المغازي، وقد تابعه في ذلك تلميذه ابن سعد، وبخاصّة الروايات التي يسوقها عن شيوخه بلفظ: «قالوا»، وهي في الغالب منقولة عن شيخه الواقدي لتطابق المعلومات بينهما.
والواقدي متروك عند المحدِّثين، لذلك حاولت قدر المستطاع عدم الاعتماد على روايته إلاّ في الجوانب التي لا تختصّ بالأمور العقدية والشرعية ونحتاج إليها لإكمال الإطار التاريخي للحادثة.
1 / 21
وباعتبار أنّ هذين المصدرين متداولان، وسهلا التناول، فقد كان الاعتماد عليهما كثيرًا بالنسبة لمن كتب عن السرايا والبعوث، بينما هنالك روايات وردت عن ثقات أهل المغازي، كعروة، والزهري، وموسى بن عقبة، ومحمّد بن عائذ، وغيرهم، ولكن لفقدها، وتناثر رواياتها في بعض الكتب والمصادر غير المتخصّصة، جعلها غير معروفة لدى الكثير ممّن كتب عن السرايا والبعوث من المعاصرين.
وكان من نتيجة هذا الأمر أن اختلطت المعلومات حول السرايا والبعوث، لأنّ من كتب عنها إنّما راعى عملية حشد المعلومات الواردة في المصادر المتوفرة، دون استقصاء وبحث عن الصحيح من الروايات، ودون تمحيص أو نقد، ممّا ولّد انطباعًا لدى البعض أنّ معظم الروايات التي تحدّثت عن تلك السرايا والبعوث إنّما هي في الغالب غير صحيحة، لأنّه رأى في بعضها نوعًا من المبالغة والتهويل ومخالفة المعقول، مثل ما ذكر عن عدد الروم وحلفائهم في مؤتة، وما ذكر - أيضًا - عن استمرار المعركة سبعة أيام.
أيضًا كان هنالك نوعٌ من الاختلاف والتناقض واللبس في بعض الروايات، مثل ما ذكر عن سرية زيد بن حارثة ﵁، إلى بني فزارة، وسرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني مرّة (الحرقات) .
إنّ هذه الدراسة باعتمادها تنويع المصادر المختلفة، وبخاصّة الموثوق منها مثل: كتب الحديث وغيرها من المصادر، كان من ثمارها تلك المعلومات التي قد يلاحظها القارئ لأوّل مرّة، مثل ما ذُكِرَ في رواية أبي قتادة ﵁، عن محاولة النبي ﷺ إمداد أهل مؤتة حينما بلغه خبرهم.
1 / 22
لقد أتاح لي استقراء كتب الحديث، والتفسير، وكتب التراجم، وبعض المخطوطات، الخروج بذخيرةٍ لا بأس بها من الروايات غير المشهورة وإنّني بذلك لا أدّعي الجدّة في الموضوع بمعناها المطلق، فعِلم المغازي ليس علمًا تجريبيًا، وإنّما هو من العلوم النقلية التي اسْتُفْرِغَتْ فيه الجهود العظيمة، على مرّ العصور مِمّن هم أفضل مني وأعلم. كما أنّ من الأمانة العلمية الاعتراف بالاستفادة من كتابات المعاصرين، وكانت بعض تلك الكتابات قد صِيغَت بأسلوبٍ أدبي رائعٍ، ولكنها في الحقيقة كتبت اعتمادًا على بعض روايات أهل المغازي دون تمحيص أو توثيق.
وحيث إنّني كنت بين أمرين: إمّا أن أكتب من جديد في الموضوع، وذلك طبعًا بعد عمليتي النقد والتوثيق، أو أستفيد من كتابات بعض من سبقني، وبخاصّة في الروايات التي تتَّفِق مع منهجي في العمل، مع إضافة أسلوبي أحيانًا كثيرة.
فكان أن اخترت الأمر الثاني، لأنّني لن آتي بجديد غير ما كُتِب، فرحم الله امرءًا عرف قدر نفسه، وحسبي أنني اجتهدت في تنويع المصادر مع اختيار الأصحّ قدر المستطاع، كما أجهدت نفسي في عمليتي النقد والتوثيق، وهما العمليتان اللتان لم أُسْبَق إليهما - حسب علمي - بمثل هذا التوسع والعمق، وإن كان هنالك بعض من سبقني بالنسبة لنقد الروايات، ولكنها كانت إمّا أعمالًا مختصرة، أو مقتصرة على روايات بعض أصحاب المغازي فقط.
1 / 23
خُطّة البحث:
تشتمل خطّة البحث على: مقدّمة، وثلاثة أبواب، يحتوي كلّ باب على عدّة فصولٍ، يندرج تحت كلّ فصلٍ عدّة مباحث، وبعض المباحث تحتوي على بعض المطالب، وخاتمة، ثم فهارس تفصيلية.
هذا وقد قسمت خطّة البحث وفق التسلسل التاريخي للأحداث، حيث كانت هنالك سرايا حدثت قبل غزوة مؤتة وسرايا بعدها، وحتى تكون الرسالة منسجمة مع التسلسل التاريخي للأحداث جعلت السرايا التي حدثت قبل مؤتة في الباب الأوّل، وسَمَّيْته: السرايا والبعوث النّبوّيّة الشّمالية قبل غزوة مؤتة، وجعلت الغزوة بفصولها ومباحثها في الباب الثاني، أما الباب الثالث فجعلته للسرايا التي حدثت بعد غزوة مؤتة، وسَمَّيْته: السرايا والبعوث النّبوّيّة الشّمالية بعد غزوة مؤتة.
وكانت الخطّة على النحو التالي:
تمهيد:
مقدّمة: وتشمتل على أهمية الموضوع، وسبب اختياره، والخطّة، والمنهج والصعوبات التي واجهتها، وشكرٍ وتقديرٍ.
الباب الأوّل: السرايا والبعوث النّبوّيّة الشّمالية قبل غزوة مؤتة، ويحتوي على ثلاثة فصول:
1 / 24
الفصل الأوّل: سرايا زيد بن حارثة ﵁، وهي السرايا التي ذكر أهل المغازي أنّ النبي ﷺ بعثها إلى المنطقة بقيادة حبّه زيد بن حارثة ﵁، وذلك لتأديب الأعراب الذين كانوا يشكلون خطرًا متناميًا على المسلمين الذين كانوا يتطلعون إلى المضي قدمًا في دعوتهم إلى الإسلام في المنطقة، وكانت ثلاث سرايا: الأولى إلى وادي القرى، والثانية: إلى حسمى، والثالثة إلى مدين.
الفصل الثاني: السرايا والبعوث النّبوّيّة إلى فدك، وهي السرايا والبعوث التي أرسلت إلى مناطق القبائل المشركة، التي كانت تسكن حول فدك، وهم: بنو سعد، وبنو مرّة، وغيرهم، وذلك في سياق الجهود المبذولة من النبي ﷺ لتحطيم الحلف الخيبري القائم بينها وبين يهود خيبر، وكانت ثلاث سرايا أيضا: الأولى بقيادة عليّ بن أبي طالب ﵁ إلى بني سعد، والثانية بقيادة بشير بن سعد إلى بني مرّة، والثالثة بقيادة غالب بن عبد الله الليثي إلى الحرقات.
الفصل الثالث: بقية السرايا والبعوث النّبويّة قبل غزوة مؤتة، وهي ثلاث سرايا انطلقت إلى أماكن مختلفة لتحقيق أهدافٍ معيّنةٍ، وكانت السرية الأولى بقيادة عبد الرحمن بن عوف ﵁ إلى دومة الجندل؛ لدعوة ملكها وأهلها إلى الإسلام، والثانية
1 / 25
بقيادة بشير بن سعد ﵁ إلى الجناب، وذلك لضرب تجمعات الأعراب المعادية للمسلمين في عقر دارهم، والثالثة بقيادة كعب بن عمير ﵁ إلى ذات أطلاح، وكانت بعثة دعوية غدر بها الأعراب.
الباب الثاني: غزوة مؤتة، ويحتوي على سبعة فصول: تتحدث عن المعركة، وموقعها، وأسباب الغزوة، وتاريخها، وعن حشد القوات الإسلامية، وحشد قوات الحلفاء من الروم والعرب المنتصرة، ثم سير الأحداث وأخيرًا نتائج المعركة، والأحكام المستنبطة والدروس المستفادة.
هذا، ولقد حاول الباحث في هذا الباب أن يكون الانسجام والتناسق منتظمًا بين فصوله ومباحثه، وهكذا فإنّه لو رفعت عناوين فصوله ومباحثه لما اختل نظمه، وما انفرط عقده، ولألفيته متّسقًا في تناظم رائع وتناسق بديع.
الباب الثالث: السرايا والبعوث النّبوّيّة الشّمالية بعد غزوة مؤتة، وتحتوي على ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: سرية عمرو بن العاص ﵁ إلى ذات السلاسل.
الفصل الثاني: سرية خالد بن الوليد ﵁ إلى الأكيدر.
الفصل الثالث: سرية أسامة بن زيد ﵄ إلى أبنى.
1 / 26
وهذه السرايا كانت لإخضاع العرب المنتصرة لسلطان المسلمين بتحطيم حلفهم - المعادي للمسلمين - مع الروم وذلك لإتاحة المجال للدعوة والدعاة أن يتحركوا بسلاسة وأمان في المنطقة.
الخاتمة: وتحتوى على أهمّ النتائج والدراسات التي توصل إليها الباحث.
الفهارس:
١- فهرس الآيات القرآنية.
٢- فهرس أطراف الأحاديث النّبويّة الشّريفة.
٣- فهرس أطراف الروايات.
٤- فهرس الأعلام المترجم لهم.
٥- فهرس الأماكن والبلدان.
٦- فهرس القبائل.
٧- فهرس المصادر والمراجع.
٨- فهرس الموضوعات.
هذا استعراض موجز لمفردات هذا البحث الذي منّ الله ﷾ فيه من دراسة غزوة مؤتة والسرايا والبعوث الشّمالية والتي بذل فيها الباحث غاية جهده، وربّما يكون قد فاته بعض السرايا والبعوث، ولكن لا يلام المرء مع اجتهاده.
1 / 27
منهج البحث:
أوّلا: كانت البداية هي محاولة استقصاء الروايات من مختلف المصادر التي كتبت عن السرايا والبعوث، سواء المتخصّص منها ككتب المغازي والسير، والشمائل، والدلائل، وكتب التاريخ المختلفة، وركّزت كثيرًا على كتب السُّنّة المختلفة من صحاح ومسانيد ومجاميع وزوائد، كذلك نظرت في كتب الطبقات وتراجم الرجال، بخاصّة كتب معرفة الصحابة، كما حاولت - قدر المستطاع - الإفادة من بعض المخطوطات.
ثانيًا: نقد هذه المرويات وفق منهج المحدّثين، حيث قام الباحث بدراسة الأسانيد وفق هذا المنهج، حسب ما أدّاه اجتهاده، ووسعه علمه المتواضع، وكان عمله في ذلك كما يلي:
١- بالنسبة للأحاديث والروايات المخرَّجة في الصحيحين أو في أحدهما، فلا تحتاج إلى نقد، لذلك لم أنظر في تراجم رجالهما، وإنّما أثبتّها مشيرًا إلى رقم الجزء والصحيفة فقط.
٢- نظر الباحث بعد ذلك في الأحاديث والروايات المخرَّجة في كتب السنن والمسانيد، مع قراءة متأنية في ترجمة رواتها، متتبعًا ألفاظ الأحاديث المختلفة، مع ذكر الشواهد والمتابعات التي ربّما ترد في كتب أخرى غير كتب الحديث.
1 / 28
٣- نقل الباحث حكم النُّقَّاد على الرواية والحديث، سواء القدامى منهم أمثال: ابن حجر، وابن كثير، والذهبي، والهيثمي، وغيرهم، أو المعاصرين كالألباني، وأحمد شاكر، والبنا، ثُمّ إن كان له تعقيب على أقوالهم وأحكامهم ذكره، وإلاّ اكتفى بما ذكروه.
٤- إذا لم يحكم على الرواية أو الحديث، حكم الباحث عليه بعد دراسة متأنية لسنده، وذلك من خلال كتب الرجال والجرح والتعديل، فإذا وجد ترجمة الراوي في كتاب التقريب لابن حجر، اكتفى به، لأنّ عبارته محرَّرة ومختصرة كثيرة الإتقان، وربّما استعان بكتاب التهذيب لمعرفة شيوخ الراوي وتلاميذه لتحديد المعاصرة والالتقاء من عدمها.
وإذا كان الراوي من غير رجال التقريب نظر في بقية كتب الرجال والجرح والتعديل لمعرفة حاله والحكم عليه.
ومما ينبغي ذكره أن الباحث تجنّب في ترجمة الرواة ذكر بعض الكُنى والألقاب لبعض الرواة لأنّهم كانوا يغضبون منها ويتحرّجون من ذكرها في حياتهم.
٥- نظر بعد ذلك في روايات الأخبار الأخرى التي ترد في كتب المغازي المشهورة، كسيرة ابن إسحاق، ومغازي الواقدي، وطبقات ابن سعد، وذلك للاستفادة منها في إكمال الصورة التاريخية للحادثة، وما كان منها مسندًا درس سنده ثُمّ حكم عليه.
1 / 29
أما ما يرد عند الواقدي، أو كان الحديث غير مسند، فإن الباحث ينقله مع ذكر رقم الجزء والصحيفة، والإشارة إلى راويته في المتن.
ثالثًا: أما في التخريج، فقد وضع الباحث الخلاصة التي توصل إليها بعد دراسة الرواية، وتوابعها، وشواهدها، وحكم النُّقَّاد عليها، أو حكمه عليها. وحتى لا تضيع الروايات في أثناء التحليل، فقد اقترح عليَّ فضيلة المشرف الدكتور عوض بن أحمد سلطان الشهري - حفظه الله - أن أضع لها أرقامًا تسلسيةً تبرزها، فإذا وردت الرواية لأوّل مرّة قمت بتخريجها والحكم عليها، وإذا تكررت أشرت في الحاشية أنّه قد سبق تخريجها ذاكرًا اسم الراوي، والمصدر، والرقم التسلسلي الأوّل الذي خُرّج عنده.
رابعًا: بالنسبة للأمور الخلافية، من تواريخ السرايا والبعوث، وأسبابها، والخلاف في مسمياتها، وأماكنها، فقد درسها وَفْقَ المنهج التاريخي، وذلك بإجراء المقارنة، ومحاولة الجمع أو الترجيح، مستدلًا بأقوال النُّقَّاد الذين سبقوه في ذلك من أمثال: ابن حجر، والشامي، والسهيلي، والحلبي، وابن القيّم، والزرقاني، متبعًا ذلك بما يراه من ترجيح قول أو رأي.
ثم جعل ما توصل إليه من نتائج في مطالب، أو مباحث، أفرده بها، وتحدّث فيها جامعًا بين الأسلوب التاريخي، وأسلوب المباحث الفقهية، ذاكرًا الآراء، وجامعًا بينها إن أمكن، ومقارنًا فيما بينها، ومرجّحًا إذا تعذّر الجمع.
1 / 30
خامسًا: الصياغة النهائية للبحث كانت صياغة تاريخية، معتمدة على الروايات المدروسة، ومطعمة بالتحليل المناسب المقتبس من بعض المراجع الحديثة، أو المصاغ بأسلوب الباحث الخاص، وقد حاول الباحث استيعاب معظم المرويات التي تمَّ دراستها باعتبارها الهيكل والأساس الذي بنيت عليه هذه الرسالة، معتمدًا الأصحّ منها تاركًا الروايات المتشابهة، والشواهد، والمتابعات، التي أشار إليها في الحواشي في أثناء التخريج.
ومكمِّلًا ببعض الروايات الأخرى التي قد تكون ضعيفة من الناحية الحديثية، ولكننا نحتاج إليها لتكملة إطار الحادثة التاريخية.
وربما كانت بعض السرايا تعتمد اعتمادًا كليًّا على هذه الروايات الضعيفة، لعدم وجود غيرها يمكن الاعتماد عليه، مع ملاحظة أنّه لا يمكن الاعتماد على تلك الروايات إذا كان هنالك أمر يتعلَّق بالعقيدة والشريعة.
وربما قطّع الباحث متن الرواية الواحدة في أماكن مختلفة حسب سير الأحداث، مؤلّفًا بينه وبين متن رواية أخرى، وذلك في محاولة لإعطاء أفضل صورة تاريخية للحدث.
لقد حاول الباحث في هذه الدراسة أن يجمع بين الروايات المتعددة لحوادث السرايا والبعوث المختلفة والمتناثرة بين طيات المصادر المختلفة من كتب حديث، ومغازي، ودلائل، ورجال، وغيرها، ألّف بينها - قدر المستطاع - وحسبما أدّاه اجتهاده المتواضع
1 / 31
لمعرفة أحداث السرايا بالترتيب والتفصيل، مستعينًا بالله ﷿، ثم بكتابات مَن سبقه، عازيًا كلّ قول لصاحبه. والله تعالى أعلم.
سادسًا: وأخيرًا، نقل الباحث في بعض السرايا والبعوث بعض الأحكام الفقهية مستعينًا بأقوال الفقهاء في ذلك، وبأقوال النُّقَّاد الذين ساروا على هذا النهج كابن حجر، وابن القيّم، والسهيلي، والحلبي، والزرقاني، والعامري، وغيرهم.
كما أَفْرَدَ الباحث مبحثًا خاصًّا بالدروس والعبر والعظات المستفادة من أحداث السرايا والبعوث، اجتهد بذكرها بعد دراسة متأنية، وسبرٍ للأحداث، فكان ذلك بمثابة دراسة تحليلية للأحداث، وربّما يقع بعض التحليل - أيضًا - بين ثنايا المباحث والمطالب، وبخاصّة (سير الأحداث)، وربما يكون ذلك استطرادًا، ولكن ما دفعه إلى ذلك هو واقعنا الأليم الذي نعيشه اليوم ونكابده، هذا الواقع المُرّ فرض عليه هذا الاستطراد، وأطلق لقلمه العنان، دون شعور منه، في محاولة للربط بين بعض أحداث هذه الغزوات بالواقع المعاصر، وهو ما قصده في مطالب الدروس والعبر المستفادة من الأحداث، لأنّ التاريخ ما هو إلاّ عبرة وعِظَةٌ لمن أراد أن يعتبر، ونبراس وهدى لمن أراد أن يستفيد من التجارب الماضية، وسنن الله الكونية، وسنن الله ﵎ في خلقه. والله تعالى أعلم.
وقد ضبط الباحث شرح الألفاظ التي تحتاج إلى ضبطٍ، من كتب المعاجم اللغوية، مثل: اللسان، والقاموس، والنهاية، وغيرها.
1 / 32
كما عمد على تعريف شامل للمواضع والأماكن والبلدان التي وردت في البحث من خلال معاجم البلدان، مثل: معجم ما استعجم للبكري، ومعجم البلدان لياقوت، وغيرهما، ثُمَّ أتبع ذلك بتعريف حديث لهذه الأماكن من الكتب الجغرافية التاريخية الحديثة، وبعض الدوريات، مثل: معجم السيرة، رحلات في بلاد العرب، للبلادي، مدائن صالح لمحمّد عبد الحميد مرداد، ومجلّة الدارة، ومجلّة المقتطف، وغيرها.
هذا، وقد جعل الباحث لذلك مطلبًا خاصًّا يسبق كلّ سرية وبعث.
1 / 33
الصعوبات التي واجهتني في أثناء هذا البحث:
لقد واجه الباحث - بحمد الله - صعوبات كثيرة، في عملية النقد وسبر الروايات، وتمثّلت هذه الصعوبة بشكلٍ كبيرٍ في أسانيد بعض الروايات التي درسها وإليك بعض النماذج:
١- رواية ذكرها ابن سعد، وساق سندها هكذا: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا أبو شهاب، عن هشام، عن الحس ...
وبحث الباحث عن أبي شهاب ووجده في التهذيب، ولكن لم يذكر ابن حجر ترجمته وافية لمعرفة مَن روى عنه، فلم يستطع معرفةَ مَن هو هشام؟ ومَن هو الحسن؟ وهكذا أخذ يبحث في الطبقات لعلّ ابن سعد يكرّر السند بوضوحٍ أكثر، ولكن دون جدوى، وأخيرًا فتح الله عليه بعد بحثٍ جادٍ ومتقنٍ لمدّة يومين، فعرف مَن هو هشام، ومَن هو الحسن، من كتاب التهذيب. فلله الحمد.
٢- رواية ذكرها الشامي في السُّبُل عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم، ومحمّد بن القراب في تاريخه، ولأوّل وهلة يظن القارئ أنّ الرواية جاءت عن طريق رجلين هما أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم، ومحمّد بن القرّاب، وهكذا بحث الباحث في كتب التراجم والرجال عن ترجمة إسحاق بن إبراهيم، فوجد أن هناك أكثر من واحد بهذا الاسم، ولكن مَن هو المعني بهذه الترجمة؟ بينما لم يجد ترجمة لمحمّد بن القرّاب، وظلّ يبحث فترة
1 / 34
طويلة حتى اهتدى بفضلٍ من الله إلى الأمر، وهو أنّ هاتين الترجمتين ما هما إلاّ لشخصٍ واحدٍ، وهو أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم ابن محمّد القرّاب، وقد تصحّفت (ابن) إلى (و) عند الشامي في السُّبُل. فلله الحمد والمنّة.
٣- ترجمة محمّد بن عمرو بن خالد (أبو علاثة)، حيث لم يترجم له أحد، حيث بحث الباحث في جميع كتب التراجم، فلم يجد له ترجمة، غير أنّ الذهبي ذكره في ترجمة أبيه في السير، واصفًا إيّاه بالإمام.
٤- ترجمة (أبو سعيد بن أبي عمرو) هكذا أورده البيهقي، مِمَّا أرهق الباحث كثيرًا في البحث عنه، حتى وجد ترجمته أخيرًا في السير والعبر، للذهبي. واسمه: محمّد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي.
٥- ذكر محمّد بن إسحاق في روايته عن سرية ذات السلاسل أنّه رواها عن محمّد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، وبعد البحث والتمحيص لم يجد الباحث من ترجم له، وبعد بحث مُضْنٍ وجده في كتاب تعجيل المنفعة لابن حجر مترجمًا له بقوله: محمّد بن عبد الرحمن بن الحصين، وذكر أنّ ابن إسحاق يروي عنه.
1 / 35
شكرٌ وتقديرٌ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هاديَ له.
وأشهد ألاّ إله إلاّ الله - وحده لا شريك له ـ، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله ﷺ تسليمًا كثيرًا. أما بعد ...
فيقول الله ﵎: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُم لأَزِيدَنَّكُم﴾ . [سورة إبراهيم، الآية: ٧] فمن هذا المنطلق فإنه لا يسعني - بعد أن منّ الله عليَّ وتفضّل ﵎ من إتمام هذا العمل الذي أرجو أن يكون خالصًا لوجهه الكريم ﷾، وأن يكون في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون - إلاّ أن أشكر الباري ﷿ شكرًا جزيلًا وافيًا، وأحمده حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه على نعمه وآلائه التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، وعلى إعانته ﵎ وتوفيقه وتسديده لي في هذا العمل الذي أرجو أن يكون مقبولًا عنده ﷿.
كما أتوجه بالشكر الجزيل الوافر إلى والديَّ العظيمين اللذين مهما قلت فلن أوفيهما حقّهما من الشكر والامتنان، ولا أملك إلاّ أن أدعو لهما كما أمر الله ﷿: ﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِرًا﴾ . [سورة الإسراء، الآية: ٢٤] .
وإنّ من فضل الله ﵎ عليَّ في هذا البحث أن تَلْمَذْتُ فيه على يد شيخين جليلين فاضلين، جليلين بعلمهما، فاضلين بأخلاقهما، المتميزة، لقد كان للأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري - حفظه الله تعالى
1 / 36
- الفضل - بعد الله ﵎ في توجيهي إلى هذا العمل، ومرافقتي فيه فترة ليست بالقصيرة، كان فيها نِعْم المُوَجِّه ونِعْمَ المُرشِد.
ولقد كان لدماثة أخلاقه التي اشتهر بها الأثر البالغ في نفسي، كما كان لتشجيعه المتواصل الدافع لاستمراري في العمل.
ثُمَّ شَرفت بمرافقة الدكتور عوض بن أحمد سلطان الشهري - حفظه الله ﵎ الذي كان له الفضل بعد الله ﷾ في ظهور هذه الرسالة بهذا التنظيم والترتيب المتقن، فقد استفدت من توجيهاته السديدة، وملاحظاته القيّمة التي أتحفني بها رغم مشاغله الكثيرة.
وإنني لا أجد من الكلام ما يفي شكرهما وتقدير جهودهما وعطائهما العلمي، غير أنني أدعو الله لهما بدوام التوفيق والصحّة ودوام العافية، وأن يجزيهما الله خير الجزاء، وأن يبارك في عملهما وعمرهما وينفع بهما، وأن يكون ذلك في ميزان حسناتهما يوم القيامة.
كما أشكر القائمين على الجامعة الإسلاميّة، وعلى رأسهم مدير الجامعة فضيلة الدكتور صالح بن عبد الله العبود - حفظه الله تعالى - بما يسرُّوه وأتاحُوه من سُبُل لطلبة العلم الوافدين عليها من أقطار الأرض للنهل من ينابيع العلم الصافية المستقاة من الكتاب والسنة.
وأسأل الله ﵎ أن يزيد هذا الصرح العلمي العظيم سؤددًا وشموخًا ورفعة في ظلّ حكومتنا الرشيدة التي كانت منذ إنشائها على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيَّب الله ثراه، وجزاه عن أُمَّة الإسلام خير الجزاء - وحتى هذا العهد الزاهر، عهد خادم
1 / 37
الحرمين الشّريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله تعالى وأسبغ عليه نعمة الصحّة والعافية - وهي لا تألو جهدًا في خدمة ودعم الإسلام والمسلمين في أصقاع الأرض، وفي كل المجالات، وما هذه الجامعة العظيمة التي نفع الله بها أبناء العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية حتى وهم في أماكنهم - وذلك من خلال الدورات التعليمية الصيفية التي تقيمها الجامعة سنويًا في بلدانهم - إلاّ ثمرة من ثمار هذا الدعم المتواصل والمتعدِّد، فجزاهم الله كل خيرٍ، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم، وزادهم الله عزًّا وتوفيقًا وسدَّد خطاهم لِمَا يحبّه ويرضاه.
وفي الختام لا يفوتني أن أشكر كُلَّ مَن ساهم معي في إخراج هذا العمل إلى حيّز الوجود، وأعانني عليه من الإخوة والزملاء وغيرهم، وأخصّ منهم الشيخ طلال بن سعود الدعجاني، الذي أعارني بعض المصادر المخطوطة، وأفادني ببعض المعلومات عنها.
شكر الله للجميع عونهم، وجزاهم كلَّ خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
1 / 38