Fath Carab Li Misr
فتح العرب لمصر
Genres
20
وليست لدينا صورة كاملة عن الفنون في بلاد العرب إذ ذاك، ولكنا نستطيع أن نعرف شيئا عن تقدمها مما يروى لنا من وصف كنيسة صنعاء، وهي التي نالها المسلمون بالأذى وهدموها، وهي من بناء «أبرهة الأشرم» عامل ملك الحبشة على بلاد اليمن، وذلك بعد منتصف القرن السادس بقليل. ويروى أن الملك كان شديد العناية بأمر بنائها وزخرفتها، فكان يقضي الوقت كله نهارا وليلا فيها، وكانت تشبه كنائس الروم في رسمها؛ فكانت الأعمدة العالية من المرمر الثمين تفصل ما بين وسطها وجناحيها، وكان ما فوق الأعمدة من القباب وأعالي الجدران يزينه زخرف بديع من فسيفساء الذهب والألوان، وتحليها الصور. وأما أسفل الجدران فقد كان يغطيها إفريز من المرمر، وكذلك كانت الأرض، وكان المرمر من ألوان مختلفة منسقة تنسيقا جميلا. وكان المحراب يفصله حاجز من آبنوس مطعم بالعاج بديع النقش، وكانت نقوش الذهب والفضة تغطي البناء من داخله. وكانت الأبواب تغطيها صفائح من الذهب مساميرها من الفضة، أو صفائح من الفضة عليها مسامير كبيرة من الذهب. وأما الأبواب التي كانت تفضي إلى المحاريب الثلاثة فقد كانت تغطيها صفائح كبيرة من الذهب عليها حلية من الجواهر، وكان على كل صفيحة من تلك صليب بارز من الذهب والجوهر، في وسطه شكل خزامي من حجر أحمر، وتحيط به زهور زخرفية من الذهب والجواهر، أو من الميناء المختلفة الألوان. تلك كانت الكنيسة العظمى التي ساعد «جستنيان» «أبرهة» في بنائها.
21
ولم تكن كنيسة «أيا صوفيا» ذاتها بأغلى زينة ولا أبدع في الصناعة منها.
ولعل هذا الوصف المجمل يحمل إلينا صورة من المدنية التي وجدها الإسلام في بلاد العرب، غير أن العرب كانوا عند ذلك لم يقبلوا على الصناعات والفنون، ولم ينم لهم ذوق فيها؛ ولذلك لم يدرك المسلمون من تلك الثروة العظيمة ومن ذلك الجمال البارع إلا أنها كانت للغنيمة إذا كانت مما يغنم، أو للتحطيم إن كانت صورا أو دمى. ولسنا نعرف على وجه البت في أي وقت كان هدم هذه الكنيسة وسواها من أبنية النصارى. ويقول «ريت» إنه إن بقي في جزيرة العرب أحد من النصارى في سنة 632
22
فإنه لم يبق بها إلا قليل، ولم تكن الأبنية وقتئذ لتترك كما هي أو تتخذ مساجد للمسلمين، كما حدث في غير ذلك الوقت وفي البلاد الأخرى؛ لأن الإسلام كان في أول أمره شديد الوطأة على الدين المسيحي، وآثاره يمحوها ويعفي أثرها، كما كان قبل ذلك يوقع باليهود وعبدة الأوثان. ولا شك أن المسلمين كرهوا ما في كنائس النصارى من كثرة الصور والرسوم المنقوشة بالألوان، فحق لهم بعض الحق أن يخلطوا بين المسيحية وعبادة الأوثان. ومهما يكن من ذلك الأمر فقد أصبح المسلمون جميعا في جميع بلاد العرب، وقبلتهم الكعبة، وإمامهم القرآن، قد ضمهم دين واحد وحكم واحد في عبادة إله واحد، سواء أكانوا قبل ذلك نصارى أو يهودا من الفرس أو السودان أو العرب.
وكانت دولة العرب التي قامت عند ذلك دولة حلفاء عدة يضمها حكم جمهوري، وذهبت مكة بزعامتها. وقد رأى «أبو بكر» وزعماء المسلمين ما رآه النبي من قبل، وذلك أنهم إذا شاءوا أن يحفظوا على الدولة تماسكها، ويتموا عليها اتحادها؛ فلا بد لهم أن يبعثوا البعوث لغزو ما يليهم من البلاد. وكانت بلاد فلسطين للعرب بلادا موعودة، كما كانت تلك الأرض موعودة لليهود، أرضا تفيض لبنا وعسلا، وكان حب القتال غريزة في العرب، وقد زادهم توقدا إيمانهم بأن عليهم واجبا دينيا يؤدونه؛ فاجتمعت لهم صفتان ما اجتمعتا في قوم إلا صار بأسهم شديدا، فلما اجتمعتا للعرب أصبحوا ولا يكاد شيء يقف في سبيلهم.
وكتب أبو بكر إلى رؤساء القبائل من العرب لانتداب الناس إلى المدينة ليخرجوا للقتال، وقال لهم إنه بعث إليهم ليخبرهم أنه قد عزم على أن يرسل المؤمنين إلى بلاد الشام لينزعوها من أيدي الكافرين، وأنه يعلمهم أن الجهاد في الدين طاعة لأمر الله.
23
Unknown page