131

Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

Genres

وهكذا كانت العروبة والشعوبية في الدولة العربية أشبه شيء بالمنافسة بين أبناء الأسرة الواحدة، أو بين الوطن الواحد، وقلما خلا وطن من أمثال هذه المنافسات بين أبناء شماله وجنوبه، أو بين أبناء جباله وسهوله، أو بين أبناء حواضره وريفه: منافسات تذكر في معرض المفاخرة ولا تستفحل في معرض العداء والبغضاء، وما لم تعرض لها مطامع السياسة، فلا يكون شأنها في خدمتها أعجب من شأن هذه المطامع في التفرقة بين أبناء الجنس الواحد، وأبناء اللغة الواحدة، وأبناء الوطن الواحد الذي لا تباين في أصوله على الإطلاق.

ومضت الشعوبية لسبيلها بعد عهد الدولة العباسية.

مضت لسبيلها لأن العرب أنفسهم كما قلنا دخلوا في عداد «الشعوبيين» الذين ينكرون مع الأمم المحكومة سلطان الحاكمين عليهم بغير مشيئتهم.

وظهرت العروبة المستقلة في العصر الحديث بغير شعوبية قومية كانت أو سياسية.

لأن العصر الحديث كله ينزع منزعا جددا في تساوي الحقوق بين الجماعات، فلا تكون لكل وحدة جماعية حقوق تعترف بها لنفسها وتنكرها على الآخرين.

ولأن العروبة الحديثة عروبة شفافة مشتركة بين جميع الناطقين باللغة العربية، وليست عروبة جنس يحكم جنسا، أو دولة تسيطر على رعية.

ومهما يبلغ من ولع أبناء العصر بثقافة الغرب، في وجه ثقافة العروبة، فإن الغرب لا يحسبنا منه، ونحن لا نحسب أنفسنا من الغرب؛ لأن ثقافته في هذا العصر تستهوي العقول وتستحق الدرس والاطلاع.

فإن كانت هناك شعوبية تواجه الأمم العربية في هذا الزمن الحديث، فهي شعوبية الطامعين في تلك الأمم كلها، وليست شعوبية أحد من الداخلين فيها والقائمين على أساسها، قيام المشاركة والمساواة.

لقد كان للشعوبية في العالم العربي معنى ما على وجه من تلك الوجوه التي لم تنفرد بها في تواريخ الجماعات.

ولكنها اليوم كلمة غير ذات معنى، أو ليس لها معنى ينصرف إلى مصلحة من الناطقين باللغة العربية والمشتركين في الثقافة العربية، كائنة ما كانت الأقطار والحكومات.

Unknown page