Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
ومن عجائب أطوار الجماعات أن التشبع لآل النبي العربي - عليه السلام - كان أقوى ما يكون بين هذه الشعوب؛ لأنهم لا ينافسون العرب في الدين وإنما ينافسونهم في العصبية القومية، وكانت دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم
لا تفرق بين «العربي والأعجمي ولا بين القرشي والحبشي» إلا بالتقوى، فكانت الشعوبية تشددا في تعزيز هذه الجامعة العامة، ولم تكن خروجا عليها، إلا ما جاء منها عن سوء نية وتراءى بغير حقيقته لخداع العرب والشعوبيين على السواء.
وبلغت قوة الشعوبية غايتها في أيام العباسيين، وهم الذين تغلبوا على بني أمية باسم القرابة من النبي عليه السلام.
ففي أيام الدولة العباسية كان الشأن كله في الحكومة للفرس والديلم، وكانت مواسم الفرس وعاداتهم في المجالس هي معالم الحضارة الشائعة بين الطبقة الحاكمة ومن يقتدي بها في معيشته وزيه، وكان بنو طاهر - وهم الشيعة - يقولون إذا فاخرهم العرب: إن العربي لا يفلح إلا ومعه نبي، كأنهم لا يسلمون للعرب بفضل غير فضل النبوة والدعوة المحمدية.
وأوشكت الشعوبية أن تطوي فيها أناسا من شعراء العرب الذين أخذوا بفتنة البذخ والعمارة، ولا نذكر منهم أبا نواس الذي كان ينعى على الطلول ولا ينعى الطلول كدأب الشعراء الجاهليين والمخضرمين، فإن أبا نواس صاحب نسب لم يصحح، وإنما نذكر البحتري الذي ينتمي إلى النسب العربي الصميم، ويقول مع ذلك في وصف إيوان كسرى:
حلل لم تكن كأطلال سعدى
في قفار من البسابس ملس
ومساع لولا المحاباة مني
لم تطقها مسعاة عنس وعبس
Unknown page