134

Caqli Wa Caqlak

عقلي وعقلك

Genres

الشخصية السيكوبائية

حين نتحدث عن الانحرافات الجنسية أو عن الإجرام نيوروزا أو سيكوزا نجد أننا نتمحل وأننا نعجز عن أن نصوغ كثيرا من الانحرافات الأخلاقية في قالبي النيوروز أو السيكوز.

ذلك أننا نلتقي بناس كثيرين يعيشون في المجتمع ويستمتعون بالكرامة والوجاهة أو الثراء والمركز، نحادثهم فنجد العقل المتزن والاهتمامات السياسية أو الاجتماعية، لهم عائلات يعولونها وأولاد يهتمون بمستقبلهم، وغير ذلك مما يدل على الحياة السوية الخالية من الشذوذ، ثم نفاجأ يوما بأن هذا الوجيه الذي كنا نعرف فيه أخلاقا سوية واتزانا نفسيا، بل وروحا كريمة قد ضبط في جريمة الشذوذ الجنسي مع صبي قاصر، ثم تثبت التحقيقات أنه عريق في هذه الجريمة التي مارسها منذ عشرين أو ثلاثين سنة، وأن له عادات بشعة في الشذوذ الجنسي مع الصبيان، وقد استطاع طوال هذه السنين أن يخفي جرائمه؛ لأنه لا يزال متمتعا باتزانه، يستطيع التفكير الحسن.

ثم نجد لغيره شذوذا آخر مع البغايا، كأن يضربهن ويؤلمهن بما يسمى السادية، أو يطلب هو أن يضربنه ويؤلمنه بما يسمى المازوكية.

ونجد غيره ينهم إلى الجنس الآخر، ويتكلف التكاليف الباهظة كي يصل إلى غايته، حتى ولو اقتضت هذه الغاية خيانة أصدقائه وتعرض عائلاتهم للتشتت عندما تنفضح علاقاته الجنسية، وهو يجري وراء غايته كأنه في حمى.

وأحيانا نجد رجلا ثريا ليس في حاجة إلى المال، ولكنه مع ذلك يتعب ويعرق كي يسرق أفراد عائلته: إخوته أو أقربائه الذين يشتركون معه في تجارة أو زراعة، وكي يصل إلى غايته يرتكب التزوير والنصب، وإلى هذه الأخلاق لا يتورع من الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة للصلاة ولا يعد نفسه مجرما.

وأحيانا نجد سيدة وقورة لها زوج وأولاد، وهي تدير بيتها على خير ما يطلب منها، ثم يمر على مسكنها بائع الطماطم فتشتري منه رطلين، وقد لا يزيد ثمن الرطل على نصف قرش، ولكنها مع ذلك تغافل البائع وتسرق طماطمه، ثم قد تذهب إلى مخزن تجاري كبير وتشتري من الأقمشة ما تبلغ قيمته عشرين جنيها، ومع ذلك تمد يدها إلى منديل لا يزيد ثمنه على عشرة قروش فتسرقه، وهذا هو ما يسمى «كليبتومانيا».

وأحيانا تجد رجلا أنيسا يحب الكتب ويقتنيها ويبحث موضوعاتها في ذكاء وخبرة، ولكنه مع ذلك متعطل، لا يثبت على عمل، ولا يثابر على إنجاز مهمة، وهو يتنقل في سهولة من عمل إلى آخر كأنه متشرد، ولا يبالي أن يكسب له غيره ويتعب، بينما هو يحصل على الثمرة، ويقضي وقته على القهوة ينفق ما حصل عليه؛ فإذا قصر هذا الذي يتعب له سبه، وقد يتعدى عليه بالضرب، كأن له حقا عليه في أن يعوله.

فهؤلاء جميعا وأمثالهم، يسلكون سلوكا عاديا ليس فيه ما يلفت النظر، عواطفهم عادية ليس بها كرب أو ضيق، وتفكيرهم سليم ليس فيه خيالات جنونية، ولكنهم في ناحية معينة، يخفونها عنا أو لا يخفونها، يسلكون سلوكا غير اجتماعي يؤذي الناس أذى عظيما، ومن الإسراف أو التسامح أن نقول: إن بهم نيوروزا أو سيكوزا.

ولهذا السبب أطلق على هؤلاء اسم السيكوبائيين؛ أي: أولئك الذين يتسمون بجنون أخلاقي، حتى ليكاد أحدهم يحترف الكذب أو التزوير أو الوقيعة، فيكون بلاء علينا جميعا، ولكنا لا نستطيع أن نزجه في مارستان أو سجن؛ لأنه - بذكائه - يحرص على ألا يقع في مخالفة خطيرة، وإذا وقع فيها حرص على أن يتستر، وقد روى الدكتور صبري جرجس في كتابه عن السيكوبائية أمثلة كثيرة من هؤلاء الشاذين.

Unknown page