لم يمهله العريض، بل اندفع من فوره يحضر القهوة حاكيا بصوته العالى وإيقاعاته المتلاحقة دون أثر لتندم، كيف أنها صممت وركبت رأسها على أن تلحق بصديقها الشاب اللبناني الذي لم تكن تكف عن الحديث عنه منذ التقيا، والذي يرابط مع زملائه مقاتلا على أحد محاور المخيم، دفاعا عنه.
غمغم المهاجر متذكرا: بسام، بسام.
وفعلا سحبت سلاحها وظلت تعدو إلى أن لحقت به، ولم يطل الأمر بهما، حتى جاءنا خبر الاثنين، إصابتهما معا، ونقلهما إلى المستشفى القريب، جحيم.
وحين ذكر العريض تأهبه لزيارتها، والاستعداد للجنائز والدفن، لم يجد المهاجر منفذا من أصحابه، برغم أن المضيف حاول ثنيه وإبقائه في المسكن ومواصلة النوم، حين أحس تهالكه ولونه الشاحب.
مسح وجهه بمنشفة مبللة، وعدل من هيئته أمام مرآة متربة، واندفع في أثره، إلى أن أشرفا على الميدان حيث تقع المستشفى التي تصدرتها وملأت أروقتها عائلات الجرحى والمصابين والشهداء.
وما إن دلف بنصف جسده داخل غرفة العمليات، وعيناه على جثمان شادية المسجاة، حين قاربها العريض وهو في أثره، حتى وجدها في أحضانه مقبلة.
في البداية لم يتعرفها تحت قناعها في زيها الأبيض، إلى أن قفزت عالية محتضنة متعلقة بعنقه مقبلة بلا صوت، وتشمم روائحها العذرية. - معقول؟!
ودون أن يعي ما يحدث وهو يتأمل فتاته الجنوبية في صمتها المتفهم المفصح عن الكثير، وردائها الأبيض، اندفع نحوه العريض عائدا من فوره، مقاربا معلنا انقضاء أجل الفتاة: ماتت. - شادية!
انسحبوا ثلاثتهم خارجين من عنبر العمليات المشابه لجراج، ويدها الدقيقة تعمل في يده، قدمها إلى العريض الذي ابتسم: شيء مفرح في هذا الغم أن يلمع شيء، تلتقيا.
عرف منها بأسها بحثا عنه، إلى أن تقدمت متطوعة للعمل بهذا المستشفى مع صديقة أخرى درزية تقيم هنا، تدعى ليلى، سبق له أن شاهدها معها مرارا.
Unknown page