213

Awraqi

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Genres

كان عقلي مشكلة حياتي، أردت التخلص منه منذ الطفولة. في سن المراهقة أصبحت بلا عقل، فتاة وادعة مطيعة لا تجادل، لا يدور في رأسها سؤال، أشياء أخرى تدور في جسدها، رغبات عارمة يرتج لها الجسد، أحلام في اليقظة والنوم عن الحب، أشياء لها ملمس مادي، الجسد يعانق الجسد في الليل، ترمقني أمي بنظرة حمراء لأكف عن الحب، لم يكن جسدي يكف عن رغباته.

أصبح جسدي مشكلة حياتي، أردت التخلص منه منذ المراهقة، في سني الشباب الأولى أصبحت بلا جسد، امرأة ناضجة مثالية حسنة السيرة والسلوك، زوجة مطيعة لزوجها في البيت، مطيعة لرئيسها في العمل، تضحي بحياتها من أجل الأسرة، وإن قامت الحرب تضحي بالأسرة وتموت فداء الوطن.

مرت بي أيام أمشي في الطريق مثال الخيال، شبح من الأموات، شاحبة الوجه مطبقة الشفتين في صمت، لا شيء يتحرك في عقلي أو جسدي، منذ زمن طويل فقدتهما، أترنح وأنا أمشي مثل خيال. كان الموت قريبا مني أكاد ألمسه بيدي، الموت من أجل الوطن، من أجل الله، من أجل زوجي. يعلو الله فوق الجميع، من بعده يأتي الوطن أو الملك أو الرئيس، بعد ذلك يأتي الزوج.

في الليل، كنت أهتف يسقط الملك يسقط الزوج يسقط الإنجليز. كان ذلك في طفولتي، تغيرت الأسماء في مرحلة الشباب، أسمع الشباب يهتفون، يسقط الرئيس يسقط الأمريكان، أشاركهم الهتاف وأضيف من عندي ويسقط الزوج.

صديقتي صفية تهتف معي يسقط الزوج، تنضم إلينا الصديقات الأخريات سامية وبطة ، الثلاث زوجات مطيعات يحلمن بالطلاق في الليل، أربعة وأربعون عاما يحلمن بالطلاق، يتكرر الحلم كل ليلة حتى انتهى القرن وجاء القرن الجديد الواحد والعشرون.

ذاكرتي تروح وتجيء في الزمن على نحو عجيب، يتلاشى نصف قرن في لحظة، واللحظة الحاضرة تمتد أمامي لا نهائية، يلتحم الماضي بالحاضر في لحظة واحدة، الصوت يتسرب إلى أذني واضحا كأنني أسمعه الآن، اقتلوها الكافرة عدوة الله. أهب من النوم على الصوت يزعق في شارع الجيزة، النافذة مغلقة بالشيش الخشبي والزجاج المزدوج، شريف نائم في سريره المجاور لسريري، كان لنا سريران منفصلان في غرفة نوم مشتركة، الجدران بيضاء نظيفة والملاءة ناصعة البياض، الأرض من البلاط الناعم، أنزلق فوقه حين أمشي، فوق المنضدة الساعة تشير إلى الواحدة، النتيجة فوق الحائط ثابتة عند 31 ديسمبر 1998، عيد رأس السنة الجديدة، أشياء مفزعة تحدث دائما ليلة العيد، منذ طفولتي لا أحب الأعياد، يمتلئ قلبي بالحزن حين يتألق العالم بالفرح.

أهدروا دمها الكافرة عدوة الله.

جفوني مثقلة بالنوم، يسري الصوت إلى أذني قبل أن أفتح عيني، أضواء خافتة تتسرب من شقوق الشيش، أمشي إلى النافذة على أطراف أصابعي، أتوقف لحظة لألتقط أنفاسي، أطل من بين الشق، الشارع ليس فيه أحد، عربة كارو يجرها حمار، صاحبها راقد فوق ظهره يهتز مع اهتزاز العربة، سيارات مسرعة تظهر أنوارها ثم تختفي، الشق ضيق، أخشى أن أفتح النافذة، الصوت يزعق، يردد بعض الأسماء، يرن اسمي واسم أبي وجدي السعداوي الذي مات قبل أن أولد. - اقتلوهم الكفرة أعداء الله.

أذناي من وراء النافذة المغلقة تلتقطان الأسماء واحدا وراء الآخر، يرن اسمي في الجو: نوال السعداوي. يخترق رأسي مثل طلقة الرصاص، يفتح شريف عينيه، يراني واقفة وراء النافذة جامدة مثل تمثال. - فيه إيه يا نوال؟ - سامع الصوت؟

يفتح شريف النافذة، من أين ينبعث الصوت، الميكروفون فوق مئذنة الجامع المجاور لنا، أو الجامع الآخر الجديد في الشارع الخلفي، أو الجامع القديم وراء الكنيسة، أو المئذنة الجديدة بدون جامع، تبرز بين البيوت من فوق ميكروفون ضخم، يربت شريف على كتفي : نامي يا نوال وبكرة الصبح نعرف إيه بيحصل في البلد.

Unknown page