وكنت أود أن أقف وقفة طويلة مع هذه المراجع؛ أكشف عن مناهجها، وأدل على طرائقها، لكني تركت ذلك - مع قدرتي عليه، امتلاكي لأسبابه، بفضل الله وعونه وتوفيقه- لأني أردت لهذا الدليل أن يكون خفيف المحمل، قريب المورد، سهل الاستيعاب؛ ولأن كثيرًا من طلبة العلم لم تعد لديهم القدرة على قراءة المطولات، والصبر عليها؛ للذي عرفته من كثرة الصوارف والحواجز، في هذه الأيام. وهذا بلاء قد عم وساد، وكاد يستوى فيه العالم والمتعلم على السواء. وقد قالوا وأحسنوا: مالا يدرك لا يترك كله.
على أن طالب العلم مدعو لأن يقرأ مقدمات الكتب وخواتيمها؛ ليقف بنفسه على منهج الكتاب، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه، وأسلوب التعامل معه، والرجوع إليه.
وطالب العلم مدعوا أيضًا إلى أن يدرك العلائق بين الكتب: تأثرا وتأثيرًا، ونقدًا واختصارًا وتذييلا.
وليعم أبناؤنا الطلبة أن كثيرًا من أبواب العلم إنما يحصل بالجهد الشخصي الدءوب، وأن وظيفة المعلم إنما تقف عند حدود تعبيد الطرق، ووضع العلامات والصوى (١) .
ونعم، كان واجبًا على المعلم أن يأخذ بيد الطلاب، إلى هذه الكتب، ويضيء لهم سبلها، ويكشف لهم عن أغوارها، وهكذا كان في أيامنا التي سلفت - ولكن مناهج الدرس في جامعاتنا العربية، لا تسمح بذلك، ولا تعين عليه، كما سبق.
_________
(١) الصوى، بضم الصاد، والقصر: جمع صوة، بالضم والتشديد، وهي حجر، يكون علامة في الطريق.
1 / 21