وعودًا على بدء؛ فقد رغب إلى كثير من الطلبة، وكثير أيضًا من كرام أساتذة العلم أن أكتب شيئًا عن مراجع تراجم الرجال والبلدان، وكتب الضبط، ومراجع الكتب والمصنفات، وتعريفات العلوم ومصطلحاتها، وأن أضع ذلك بين أيديهم، تذكرة مختصرة، ودليلًا مسعفًا. فأجبتهم إلى ذلك؛ طالبًا للثواب، راغبا إلى الله ﷿ أن ينفع به، مع ما أعرفه في نفسي من ضعف المنة (١)، وقلة الزاد، فنحن نلقى الناس بعلم " مسترضع بثدي من العجز وثدي من التقصير" كما يقول شيخنا محمود محمد شاكر (٢) . وصدق من قال (٣)::
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن البلاء تفردى بالسؤدد
وإني لأقول هذا من باب الحقيقة الصادقة، لا من باب التواضع الكاذب، فليس كالزهو والكبر حجازًا بين المرء وبين أن يستفيد علما. وإن من آفات المنتسبين إلى العلم في هذا الزمان: التطاول والتعالي، وترى أحدهم يمشى بين الناس، شامخًا بأنفه، زامًا شفتيه، منتفخًا قد شرقت عروقه ولحمه بدم كذب، هو دم الكبر والعجب، حتى كاد يتفقا. فإذا جاءت الحقائق لم تجد شيئًا؛ إلا شيئًا لا يعبأ به.
فضعف العلم بضعف أهله. " فإن فساد كل صناعة من كثرة
_________
(١) المنة، بضم الميم وتشديد النون: القوة. يقال: هو ضعيف المنة، ومنة السير: أضعفه وأعياه. ورجل منين: أي ضعيف، كأن الدهر منه، أي ذهب بمنته.
(٢) مقدمة تحقيق تهذيب الآثار - لأبي جعفر الطبري - ص١٥، وشيخنا، حفظه الله، في هذا الكلام العالي الشريف، يصف حاله هو، على جلالة قدره، وعظيم خطره!
(٣) هو حارثة بن بدر الغداني، التابعي، ﵁.
1 / 19