وكلام هؤلاء الذين يكتبون في فلسفة النحو - على ضعفه وتهافته وثقله - يحمل في أثنائه شكوكا كثيرة، وسخرية باردة بأعلام النحو. وكل هذا من البلاء الذي يفرض على أبنائنا، ويطالبون باستظهاره واستحضاره. وإلى الله المشتكى!
فماذا تطلب من ناشئ غض، تمرغ في هذه الأوحال، وسقى ماء حميما، ثم تكون عقله ووجدانه على هذه الموائد التي ملئت بصحاف مسمومة؟ .
جاءني ذات يوم طالب يعد رسالة "دكتوراه" وسألني متعجبًا: كيف لا يذكر ابن منظور في "لسان العرب" شيئًا عن معنى كلمة (التراث)؟ فقلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: هو على ما وصفت لك، لقد بحثت عن مادة (ترث) في فصل التاء من كتاب الثاء، فلم أجد لها ذكرا. فقلت له: ابحث في مادة (ورث)، وستجد بغيتك؛ لأن هذه التاء التي تراها، مبدلة من الواو، مثل (تجاه) من (وجه)، و(تقاة) من (وقى) . ففغر فاه دهشًا وتحيرًا.
ولو ذهبت أذكر أمثلة من ذلك لأتيت بكل عجيبة.
وإن تراثنا بفنونه المختلفة قد غيب عن أبناءنا بظلمات بعضها فوق بعض من تراث الأعاجم. وحين بلغ الضعف منهم مبلغه أنحينا عليهم باللأئمة، ووسمناهم بالقصور. وحق لهم أن يقولوا قولة عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
فلو أن قومي انطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت (١) .
_________
(١) يقال: أجرت الفصيل: إذا شققت لسانه لئلا يرضع أمه.
1 / 18