[أوجه إعجاز القرآن الكريم]
وأما إعجاز القرآن فقد اختلف فيه الناس على ثمانية أوجه:
أحدها: أن وجه إعجازه هو الإيجاز والبلاغة مثل قوله تعالى: ((ولكم في القصاص حياة))[البقرة: 179]. فجمع في كلمتين عدد حروفهما عشرة أحرف معاني كلام كثير.
والثاني: أن وجه إعجازه هو البيان والفصاحة كالذي حكاه بعض أهل العلم: أن أعرابيا سمع رجلا يقرا: ((فاصدع بما تؤمر))[الحجر: 94]. فسجد فقال: سجدت لفصاحة الكلام، وسمع أخر رجلا يقرأ: ((فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا))[يوسف: 80]. فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وحدثنا بعض أهل العلم بإسناد له رفعه إلى عالم من علماء أهل اللغة: أنه رأى في تطوافه بالبادية جارية خماسية فصيحة فأعجبته فصاحتها وبراعتها، فقال لها : قاتلك الله ما أفصحك؟. فقالت له: أو تعد هذا فصاحة بعد قول الله سبحانه وتعالى: ((وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين))[القصص: 7]. فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
والثالث : أن وجه إعجازه هو الوصف الذي تقضي به العادة حتى صار خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر والرجز والهزج، ولا يدخل في شئ منها ولا يختلط بها مع كون ألفاظه حروف من جنس كلامهم مستعملة في نظمهم ونثرهم.
والرابع: أن قارئه لا يكل وسامعه لا يمل، ولا تزيده كثرة تلاوته إلا حلاوة في النفوس وميلا في القلوب، وغيره من الكلام وإن كان مستحلى النظم مستحسن النثر يمل إذا أعيد، ويستثقل إذا ردد.
Bogga 75