300

Jawhar Shaffaf

الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين(171)الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم(172) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل(173) {يستبشرون بنعمة من الله وفضل} كرر يستبشرون ليتعلق به ما هو بيان لقوله ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون من ذكر النعمة والفضل وإن ذلك أجر لهم على إيمانهم، بحب في عدل الله وحكمته أن يحصل لهم، ولا يضيع فهو معنى قوله {وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين} أي: ثواب أعمالهم لأن الثواب على العهد واجب، {الذين استجابوا لله والرسول} روي أن أبا سفيان وأصاحبه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء، ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأراد أن يهيبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان، وقال: ((لا يخرجن معنا أحدا إلا من حضر يومنا بالأمس)) فخرج صلى الله عليه وآله وسلم في جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، وكان بأصحابه القرح أي الجراح والألم، فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت ومعنى استجابتهم طاعتهم لله ولرسوله {من بعد ما أصابهم القرح} الجراح والألم، {للذين أحسنوا منهم} من في قوله منهم للتثبيت وليست للتبعيض، لأنهم كلهم قد أحسنوا {إذا اتقوا} مع إحسانهم في العمل {فلهم أجر عظيم} أي: ثواب جزيل {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القادم إن شئت فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن شاء الله)) فلما كان القابل خرج أبو سفيان، بأهل مكة حتى مر الظهران فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع فلقي نعيم ابن مسعود الأشجعي، وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم: إني وعدت محمدا أن نلتقي في موسم بدر، وإن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي ولكن إن خرج محمد ولم نخرج زاده ذلك جراءة فألحق بالمدينة وثبطهم ولك عندي عشر من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم أحدا إلا شريد أفترون أن يخرجوا أو قد جمعوا لكم عند الموسم فو الله لا يغلب منكم أحد فكره المسلمون الخروج فقال –عليه السلام- والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد، فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون {حسبنا الله ونعم الوكيل} حتى وافوا بدرا وأقاموا بها ثمان ليال وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ورجع أبو سفيان إلى مكة، فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق، لأنه زادهم وقالوا إنما خرجتم لتشربوا في السويق والناس الأولون نعيم ابن مسعود والآخرون أبو سفيان وأصحابه، وسمي نعيم بلفظ الناس، وهو قصده لأنه لما وصل المدينة لم يخل من ناس من أهلها مصلون جناح كلامه، ويثبطون مثل تثبيطه من المنافقين {فاخشوهم} أي: خافوهم وحاذروهم، وهو من كلام نعيم، والمثبطين {فزادهم إيمانا} أي: كلام نعيم وقوله الذي هو إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم كأنه قيل قالوا لهم هذا الكلام فزادهم إيمانا ومعنى ازديادهم للإيمان بكلام نعيم هو أنهم لم يستمعوا قوله، وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم كما ازدادوا اليقين لتكاثر الحجج ولأن خروجهم إلى العدو بعد التثبيط طاعة عظيمة والطاعات من جملة الإيمان لأنه اعتقاد وإقرار وعمل.

وعن ابن عمر أنه كان يأخذ بيد الرجل فيقول قم بنا نزداد إيمانا وعنه لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به، {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} أي: تحسبنا بمعنى كافينا وهو نعم الموكل إليه أمور العباد وأعظم من يكتفى به ويعتمد عليه، وقيل: هي الكلمة التي قالها إبراهيم

عليه السلام [29]حين ألقي في النار.

Bogga 370