بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، الحمد الله الذي نور بصائرنا بمعرفة كتابه، وطهر ضمائرنا بتلاوة خطابه، وهدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، إن أفضل الهدى هدى الله، وإن خير الكلام كلام الله، وإن سيد البشر رسول الله تحمل الأعباء وبلغ الأنباء، وختم الأنبياء، وجاء بالقرآن الذي أذعنت لإعجازه مسالق العرب العرباء، وانقطعت في أثاره شقاشق شجاشج الخطباء، كلام يخلق على فناء العباد، ولا يمل على كثرة الترداد، رياضه أنيقة وبحاره عميقة، أنقذنا الله به من الجهالة، وتداركنا به من الظلال فنحن لله على النعمة حامدون، وله جل وعز بما تعبدنا فيه عابدون.
والصلاة على سفير الفرقان ذي التبجيل الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، صلاة تستغرق الأمد، وتبيد الأبد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار، المهاجرون والأنصار، أناء الليل وأطراف النهار، وبعد فإن أولى ما صرفت إليه العناية من التفاسير القرآن المجيد ما سلم متنه من رثاثة الحشو وغثاثة التقليد، وتبرهنت في أثناء أعطافه حجج الوعود، وطاب بحره من أجز الجبر والتشبيه، وطلع أفقه بأقمار العدل والتنزيه، لا جرم هذه صفة الكشاف عن آيات التنزيل الكافل لمن أتقنه ببلوغ نهايات التحصيل، وما أحقه بقول صاحبه رضي الله عنه.
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد، وليس فيها لعمري مثل الكشاف إن كنت الفدى فالزم قراءته.
Bogga 1
فالجهل كالدواء الكشاف كالشافي لولا ما اندمج تحت أمواجه من علوم لا يدركها من سفن الأذكار، وأكثر في أصدافه من دروب لا تبلغها مغاصات الأنظار، حتى كادت تصرف الراغب عن مطالعته دقائقه، وتشق بالطالب لمفاتحته شقاشقه، وتدفع في صدر القاصد إليه متلاطمات أمواجه، وتغير في وجه المقبل عليه مهامة فجاجة، ورأيت نفوس الراغبين في التغيير تميل إلى التيسير والطالبين لعلمه العزيز تقع بالجلي اليسير، فالتقطت من مغاصات تبيانه ونثارات عقيانه، ما تجلى منها للعيان، واخترت من محرابه جمانه ولآلئ مرجانه ما لا يفتقر إلى بيان، ولم ألو جهدا في تسهيله وتقريبه، وتيسيره على الطالب وتمهيده بتفصيل عقود السؤالات وحل نظام تعقيد الجوابات، وإطراح جميع ما ورد من عامة القراءات ولم أخاف ترتيب الكشاف إلا باستكمال آيات القرآن، ولا حذفت من فوائده إلا ما استعجم على العامة من علم المعاني والبيان، مع زيادات حسنة في الترتيب مواقعها وتلفيقات في أثنائه لاقت مواضعها، وألحقت عقب كلامه في المسائل الفقهية، نبذة شافية عن مذاهب العترة النبوية، لتكون درة في وشاحه، وياقوتة متوقدة في رأس مصباحه، وسميته الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف، وأرجو أن تشتفي به نفوس الطالبين، وتهتز إلى قراءته واستماعه قلوب الراغبين، وما أعرفني بقصور باعي في هذا الباب، وضيق رباعي عن هذا الانتداب، لكن تعاميت عن قولهم ليس بعشك فأدرجي ونظرت إلى قولهم إنك من طير الله فانطقي، خلت الديار فسدت غير سود، ومن الشقاء تفردي بالسؤدد، وأنا أرغب إلى الله تعالى أن يجعل سعيي فيه خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبله ويجعله ذخيرة لي عند تحزيبي بها في الآخرة ذات النعيم فهو العالم بمودعات السرائر وخفيات الضمائر، وأن يتغمدني بفضله ورحمته يتجاوز عني سعت جوده ومغفرته إنه سميع قريب وعليه أتوكل وإليه أنيب.
Bogga 2
باب ... فضل قراءة القرآن
عن ابن عباس أن لله تعالى أهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله قال: ((أهل القرآن أهل الله وخاصته)) رواه ابن ماجة.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيمة شفيعا لأصحابه)) رواه مسلم.
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يؤتى يوم القيمة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في دار الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما)) رواه مسلم.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرا القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) متفق عليه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه أناء الليل وأناء النهار)) متفق عليه.
وعن أبي سعيد رافع بن المعلا قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله: إنك قلت ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قال:الحمد لله هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) رواه البخاري.
وعن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من قرأ الآيتين من أخر سورة البقرة في ليله كفتاه)) متفق عليه قيل: كفتاه المكزورة تلك الليلة، وقيل: كفتاه من قيام الليل.
Bogga 3
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرا فيه سورة البقرة)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتى آت فجعل حثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني محتاج وعلي عيال وبي حاجة شديدة فخليت عنه فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة فقلت يا رسول الله شكى حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود)) فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرصدته فجاء يحثو من الطعام فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دعني فإني محتاج علي عيال [1 ]لا أعود فرحمته فخليت سبيله فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنه قد كذبك وسيعود)) فرصدته التالية فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنها لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة فقلت يا رسول الله: زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: ما هي؟ قلت: قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال: لا يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان حتى تصبح فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة قلت: لا قال: ذاك شيطان)) رواه البخاري.
Bogga 4
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال، وفي رواية من آخر سورة الكهف رواهما مسلم.
وعن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال:((ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخاوتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)) رواه مسلم والنقيض الصوت.
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) متفق عليه.
وعن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة بشطنين فتغشته سحابة، فجعلت لا تدنو وجعل فرسه ينفر عنها، فلما أصبح إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال: ((تلك السكينة نزلت للقرآن)) متفق عليه -الشطن بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة- الحبل.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله عز وجل فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ول حرف وميم حرف)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
Bogga 5
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها)) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((تعاهدوا هذا القرآن فولذي نفس محمد بيده، لهو أشد تقلبا من الإبل في عقلها)) متفق عليه.
وعن بن عمر رضي الله عنه قال: ((إنمامثل صاحب القرآن [2] كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت)) متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((في قل هو الله أحد: والذي نفسي بيده: إنها لتعدل ثلث القرآن)) وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك لهم وقالوا: إنا لا نطيق ذلك يا رسول الله قال: ((قل هو الله أحد ثلث القرآن)) رواه البخاري.
وعنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها، ولما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له يتعالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)) رواه البخاري.
وعن أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني أحب هذه السورة قل هو الله أحد قال: ((إن حبها أدخلك الجنة)) رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه البخاري في صحيحه.
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس)) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((يعوذ من الجن وعين إنسان حتى نزلتا المعوذتان، فلما نزلتا أحديهما وتر ما سواهما)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
Bogga 6
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن من القرآن سورة ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك)) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم.
باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت
والاستماع لها:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتفنن بالقرآن يجهر به)) متفق عليه معنى أذن الله أي يسمع، وهي إشارة إلى الرضى والقبول.
وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) متفق عليه وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ((ولو رأيتني وأنا أسمع لقراءتك البارحة)) .
وعن البراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((قرأ في العشاء بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه)) متفق عليه.
وعن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من لم يتغنى بالقرآن فليس منا)) رواه أبو داود بإسناد جيد معنى لم يتغنى تحسين صوته بالقرآن.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اقرأ علي القرآن فقلت: يا رسول الله اقرأ عليك وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} قال: حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان)) متفق عليه.
Bogga 7
باب في فضيلة التفسير
عن ابن مسعود قال: كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشر الآيات فلا نتجاوزها إلى العشر الأخرى حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل وروى قتادة عن الحسن أنه قال: ((ما أنزل الله أية إلا أحب أن يعلم فيما أنزلت وماذا أعني بها)) وقال:أنس مثل من يقرا القرآن وهو يعلم تفسيره أو لا يعلمه مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا، وليس عندهم مصباح فتداخلهم لمجيئ الكتاب روعة لا يدرون ما فيه فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه.
باب الاستعاذة:
قال الله تعالى: {وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} معناه إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ مثل قوله : {إذا قمتم إلى الصلاة فاغتسلوا...} الآية تدل على التعبد بالتعوذ عند قراءة القرآن، وهو سنة مشروعة في الصلاة، وعند قراءة القرآن قبل القراءة عندنا، وهو قول أكثر العلماء.
وذهب أبو هريرة ومالك وداود وابن جرير الطبري إلى أنه بعد القراءة كأنهم يجعلون في الآية تقديما وتأخيرا فيقولون المعنى استعذ بالله إذا قرأت القرآن، والصحيح هو الأول وعليه الجمهور لما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) رواه أحمد والترمذي
وقال: ابن المنذر جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) .
وقال الأسود: رأيت عمر حين يفتح الصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يتعوذ، رواه الدارقطني.
Bogga 8
وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا
استفتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)) رواه أبو داود والدارقطني مثله من رواية أنس والخمسة مثله من حديث أبي سعيد الخدري والمختار في لفظ الاستعاذة عند علماء الحديث، وأكثر القراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو مذهب عاصم وأبي عمرو وهو المذكور في الآية، فيكون هو الأقوى لموافقة القرآن وهو مروي عن ابن مسعود ووكيع بن الجراح وسفيان الثوري قال: الحاكم في تفسير المعوذتين أن التعوذ في أمر الدين والدنيا واجب ومن الفريقين الجن والإنس، فيدخل فيه رؤساء الضلالة وعلماء السوء وأهل البدع إذ لا ضرر أعظم من ضررهم.
[باب: في أول ما أنزل من القرآن]
واختلفوا في أول ما نزل من القرآن:
وروى عروة عن عائشة أن أول ما نزل اقرأ باسم ربك الذي خلق وبه قال قتادة وأبو صالح وروي عن جابر أن أول ما نزل يا أيها المدثر، والصحيح أنه لما نزل عليه اقرأ باسم ربك رجع فتدثر فنزلت يايها المدثر يدل عليه ما روى في الصحيحين من حديث جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: ((فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه رعبا فرجعت فقلت زملوني ودثروني فأنزل الله تعالى يايها المدثر ومعني جثيت ذعرت وخفت)) .
باب واختلفوا في أخر ما نزل
فروى البخاري ما روي من حديث ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الرؤيا وفي إفراد مسلم عنه أن أخر أية نزلت إذا جاء نصر الله والفتح وروى الضحاك عن ابن عباس أن آخر أية أنزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، وقيل: أخر آية أنزلت الكلالة وأخر سورة نزلت براءة وروى أبي بن كعب: أن آخر آية أنزلت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم...} إلى أخر السورة.
Bogga 9
باب: في مدة نزول القرآن:
روى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت العزة، ثم أنزل عند ذلك في عشرين سنة.
وقال الشعبي: فرق تنزيل القرآن فكأن من أوله وأخره ثماني عشر سنة أنزل عليه بمكة ثمان سنين وبالمدينة عشر.
باب التسمية:
لا خلاف بين القراء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في أول الحمد، وتركها في أول براءة واختلفوا فيما عداها من السور فقرا أبو عمر وورش وحمزة بغير فصل بين السورتين بسم الله الرحمن الرحيم في جميع القرآن والباقون بالفصل بينهما في القرآن كله.
سورة فاتحة الكتاب مكية ومدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم(1)الحمد لله رب العالمين(2)الرحمن الرحيم(3)مالك يوم الدين(4)إياك نعبد وإياك نستعين(5)اهدنا الصراط المستقيم(6)صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7).
مكية ومدنية لأنها نزلت بمكة مرة، وبالمدينة مرة أخرى، وسمية أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي من القرآن من الثناء على الله بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، وفي تفسير الثعلبي أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان، ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان، ثم أودع علوم الفرقان المفصل، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة، ومن قرأها فكأنما قرا التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان.
وروى أبو ملحد في تفسيره أن إبليس رن أربع رنات حين لعن وحين أهبط وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحين أنزلت فاتحة الكتاب، وتسمى فاتحة الكتاب لأنه يستفتح بها الكتاب تلاوة وكتابه.
Bogga 10
ومن أسمائها أم القرآن، وأم الكتاب، لأنها أمت الكتاب بالتقديم، وسورة الكنز والواقية، وسورة الحمد، والمثاني لأنها تثنى في كل الصلاة، وسورة الصلاة لأنها تكون فاضلة أو نجرية بقراءتها فيها على ما يروى عن زيد بن علي والناصر عليهما السلام أن الواجب قراءتها في الركعتين الأوليتين، وهو قول أبي ح. وعند ش . قراءة الفاتحة وحدها شرط في جميع الركعات وقال ك: تجب في أكثر الركعات، والأكثر من مذهب الأئمة عليهما السلام أنه لا بد من قراءة قرآن معها وسورة الشفاء والشافية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((فاتحة الكتاب شفاء من السم)) وروي أنها شفاء من كل داء إلا السام والهرم.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((فاتحة الكتاب رضية من كل شيء ومن أسماء الصلاة)) لما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: مجدني عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين قال: فوض إلي عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال:هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذه لك رواه مسلم.
Bogga 11
وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((قال الله سبحانه أني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها له يقول: عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فأقول ذكرني عبدي، ثم يقول الحمد لله رب العالمين فأقول: حمدني عبدي، ثم يقول: الرحمن الرحيم فأقول أنثى علي عبدي، ثم يقول: ملك يوم الدين، فأقول: مجدني عبدي، ثم يقول: إياك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، وأخر السورة لعبدي ولعبدي ما سأل وما أثنى هذه الفضيلة إذا لم ترد في شئ من القرآن هذه المقاسمة التي رويت في الفاتحة بين الله تعالى وبين العبد وهي سبع آيات بالاتفاق.
بسم الله الرحمن الرحيم قرأ المدينة والبصرة والشام وفقارها على أن التسمية أبنت بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وإنما كتبت للفضل والتبرك بالابتداء بها كما تذكر في كل شيء، وهو مذهب أبي ح. ومن تابعه، ولذلك لا يجهر بها عنده في الصلاة.
قال الإمام مالك رضي الله عنه: لا يقرأ بها في صلاة الفريضة سرا ولا جهرا، وإن قرأ بها في النافلة جاز وحجتهم ما رواه أنس بن مالك
رضي الله عنه قال: ((صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد ومسلم.
وفي لفظ: صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد والنسائ بإسناد شرط الصحيح، وأحمد ومسلم صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ، وعمر، وعثمان، وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم من أول قراءة وأخرها.
Bogga 12
ولعبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم قال: شعبة لقتادة سمعته من أنس قال: نعم نحن سألناه عنه.
وللنسائي عن منصور بن باذان عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى أبو بكر وعمر فلم يسمعنا منهما.
وعن ابن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال: يا بني إياك والحدث قال: ولم أرى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا كان أبغض إليه حدثا في الإسلام منه، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع واحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا أنت قرأت، فقل: الحمد لله رب العالمين رواه الخمسة إلا أبا داود.
ومعني قوله لا تقلها وقوله لا يقرؤونها ولا يذكرونها ولا يستفتحون بها أي جهرة، بدليل قوله في رواية لا تجهرون بها، وذلك على قراءتهم لها سرا، وقرأ مكة والكوفة وفقهاؤهما على أنها آية من الفاتحة وغيرها وفائدته أن الصلاة لا تجزى بالفاتحة من دون تسميتها وعليه س وأصحابه، ولذلك يجهرون بها وقالوا: قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن، ولم يثبتوا أمين فلولا أنها من القرآن لما أثبتوها.
وعن ابن عباس: ((من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله)) وهو مذهب أئمة العترة عليهم السلام لا يختلفون فيه، وحجتهم ما رواه جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل صلاة لم يجهر فيها ببسم الله الرحمن الرحيم فهي آية اختلسها الشيطان)) .
وعن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لم يزل يجهر ببسم في المكتوبات الله الرحمن الرحيم حتى قبض)) .
Bogga 13
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم يزل ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض.
وعن ابن عمر رضي الله عنه صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض.
وصليت خلف أبي بكر فلم يزل يجهر بها في كلتا السورتين حتى هلك وصليت خلف عمر فلم يزل يجهر بها في كلتا السورتين حتى هلك، وأنا أجهر به ولن أدعه حتى أموت قال: المؤيد بالله عليه السلام فإن ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وبغيرها من الآيات والسور لم تبطل الصلاة مع أنه واجب، وهو قول ح وش والباء متعلقة محذوف تقديره بسم الله اقرا أو أتلو كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال بسم الله فمعناه بسم الله أحل أو باسمه ارتحل وتعلق الاسم بالقراءة تعلق القلم بالكتبة في قولك كتبت بالقلم على معنى أن المؤمن لما اعتقد أن فعله لا يكون معتمدا به في الشرع واقعا على السنة حتى تصدر بذكر الله ولا كان فعلا كلا فعل جعل فعله مفعولا باسم الله كما تفعل الكتب بالقلم ومعناه من الله تعليم عباده، وكيف يتبركون باسمه وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه، والله اسم تفرد به الباري سبحانه وأصله الإله فحذفت الهمزة وعرض عنها حرف التعريف، والإله اسم حسن يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق.
وأما الله فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره، وهو اسم غير صفة والرحمن الرحيم صفتان: لله معناهما ذو الرحمة، ولا فرق بينهما مثل ندمان ونديم.
Bogga 14
قال رضي الله عنه: وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم، ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا ويقولون: الزيادة في البنا الزيادة في المعنى وهو صفة عالية لم تستعمل في غير الله عز وجل ومعنى وصف الله بالرحمة وهي العطف والحنو مجاز عن إنعامه على عباده لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، كما أنه إذا أراد الفظاظة والقسوة عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه، وقدم الرحمن على الرحيم لأنه لما قال الرحمن تناول حلائل النعم وعظائمها أردفه الرحيم ليتناول ما رق منها ولطف.
{ الحمد لله} الحمد والمدح أخوان وهو الثناء بالجميل من نعمة وغيرها، والشكر على النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح، والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه السلام الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده، وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشنع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد، لخفاء عمل القلب {رب العالمين} أي: مالكهم والرب المالك ولم يطلقوه إلا في الله وحده وفي غيره مقيد مضاف، والعالمين اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وقيل: كلما علم به الخالق من الأجسام والأعراض وأطلق ليشمل كل جنس هما سمي أية {الرحمن الرحيم} معناهما الوصف بعظم الرحمة كما تقدم {ملك يوم الدين} أي: قاضي يوم الجزاء، إلا أنه يتفرد في ذلك اليوم بالحكم، وخصه بالذكر تعظيما لثنائه، ولأن أملاك الملوك زايلة فيه.
Bogga 15
وقرأ عاصم والكسائي مالك وملك أعم في الوصف وهو الاختيار لأنها قراءة أهل الحرمين، ولأن الملك تعم والملك تخص وقال: القرطبي احتج بعضهم على أن مالك أبلغ من ملك لأن فيه زيادة حرف فلقارئه عشر حسنات زيادة على من قرأ ملك بغير ألف {إياك نعبد} أي: نخصك بالعبادة {وإياك نستعين} أي: نطلب منك المعونة، والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، ولا نستعمل لغير الله لأنه المولى العظيم النعم فكان حقيقيا مافي غاية الخضوع والعدول من لفظ الغيبة إلى الخطاب يسمى الالتفات في علم البيان، وجئ به هاهنا جريا على افتتان العرب في الكلام وتصرفهم فيه لأنه إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان قطريه لنشاط السامع وإيقاظا للإسغاء إليه من إجراءه على أسلوب واحد مع ما فيه من إظهار التمكن من التصرف في الكلام والتوسع فيه، أو قرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يتطلبونه ويحتاجون إليه من جهته، وقدمت العبادة على الاستعانة؛ لأن تقديم الوسيلة في طلب الحاجة توجب الإجابة، وأطلعت الاستعانة لتناول كل مستعان فيه{اهدنا الصراط المستقيم} الصراط الطريق أي دلنا عليه واسلك بنا فيه، وثبتنا عليه.
والمراد طريق الحق وملة الإسلام ومعنى طلب الهداية، وهم مهتدون طلب زيادة الهدى بمنح الإلطاف، وقيل: إنما طلبوا الهداية مع وجوبها لأن السؤال عبادة {صراط الذين أنعمت عليهم} بالهداية وهم قوم موسى، وعيسى قبل أن يغيروا نعم الله عز وجل.
Bogga 16
وقيل: هم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: {فأولئك هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} وأطلق الإنعام ليشمل كل أنعام لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته، واشتملت عليه {غير المغضوب عليهم} أي: غير الذين غضب الله عليهم وهم اليهود، ومعنى الغضب من الله عز وجل إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم {ولا الضالين} أي: ولا الذين ضلوا وهم النصارى رواه عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ابن قتيبة والضلال الحيرة والعدول عن الحق.
قال: رضي الله عنه كان المسلمين سألوا الله أن يهديهم طريق الحق الذين أنعم عليهم بالهداية، وأن لا يغضب عليهم كما غضب على اليهود، وأن لا يضلوا عن الحق كما ضلت النصارى، ودخلت لا هاهنا لما في غير من معنى النفي كأنه قال: لا المغضوب عليهم ولا الضالين أمين بمعنى اسمع واستجيب.
قال: رضي الله عنه هو صوت يسمى به الفعل الذي هو استجيب،ويقصر.
وعن ابن عباس سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى آمين فقال: ((معناه افعل)) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة فقال: إنها كالختم على الكتاب)) قالوا: وليس من القرآن لأنه لم يثبت في المصحف.
وعن الحسن ((لا يقولها الإمام لأنه الداعي)) وعن أبي حنيفة مثله والمشهور عنه، وعن أصحابه أن يخفيها، وعن ش . يجهر بها وهي عندهم سنة مؤكدة واختلف آباؤنا عليهم السلام فيها فالذي ذكره السيد أبو العباس، وأبو طالب، لمذهب الهادي عليه السلام أنها تفسد الصلاة وإليه أشار في الأحكام وحجتهم أنها ليست من القرآن، وأنها غير مسنونة والذي ذهب إليه الباقر عليه السلام وولده الصادق، وأخوه زيد بن علي، والمؤيد بالله، وأحمد بن عيسى، والناصر للحق حتى في أحد الروايتين عنه أنها لا تفسد.
Bogga 17
وقواه في والدنا الإمام يحيى بن حمزة، والإمام محمد بن المطهر، قال: أحمد بن عيسى عليه السلام في العلوم: إن شاء قال أمين وإن شاء ترك، وكل ذلك واسع لا حرج فيه.
وحجتهم ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه الجماعة البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
وفي رواية ((إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين يقولوا أمين فإن الملائكة يقولوا أمين وإن الإمام يقول أمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه أحمد، والنسائي.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((إذا تلى غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: أمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول)) رواه أبو داود، وابن ماجة وقال: حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج به المسجد.
وعن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال أمين يمد بها صوته رواه أبو احمد والترمذي.
Bogga 18
سورة البقرة مدنية وهي مائتان وسبع وثمانون أية
بسم الله الرحمن الرحيم
الم(1)ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(2)الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون(3)والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون(4)أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون(5)
قال: رضي الله عنه: اعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء، وجدتها تصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء وهي الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والياء، والعين، والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والنون، في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على إنصاف أجناس الحروف، ثم إذا استقرأت الكلمة وتركيبها رأيت الحروف التي ألقى الله ذكرها مكثورة بالمذكورة منها فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته، وقد علمت أن معظم الشيء وجله منزل منزلة كله وفي وقوعها على هذه الصورة مفاتيح السور أقوال:
أولها: وعليه الأكثر أنها أسماء للسور كأنه المعنى بتسمية السور بهذه الألفاظ خاصة الأعلام بأن القرآن ليس إلا كلمات عربية معروفة التراكيب من مسميات هذه الألفاظ.
وثانيها: أن يكون ورود هذه الأسماء مسرودة على نمط التعديد كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدى بالقرآن وبغرابة نظمه، وكالتحرير للنظر في أنه قد أعجزوا عن معارضته كلام من عين ما ينظرون من كلامهم ليؤديهم النظر إلى سقوط مقدرتهم دونه، وظهور معجزتهم أن يأتوا بمثله بعد المراجعات الطويلة، وهم أمراء الكلام وزعماء الحوار والحراص على التساجل في الخطب والمنتهى يكون على الافتتان في القصيد والرجز ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بدت بلاغة كل ناطق، وشقت غبار كل سابق، ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء، ولم يقع وراء مطامح أعين البصر إلا لأنه ليس بكلام البشر أنه كلام خالق القوي القدير.
Bogga 19
وثالثها: أن ترد السورة مصورة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الأغراب وتقدمه من دلائل الإعجاز وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأميون منهم وأهل الكتاب بخلاف النطق بأسامي الحروف فإنه كان مختصا بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم، وكان مستغربا مستبعدا من الأمي التكلم بها فكان حكم النطق بذلك مع استشارة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهل حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الأحاطة بها، وليعرفوا أن ذلك ليس إلا من جهة الوحي الشاهد بصحة نبوءته.
Bogga 20