وذهب آخرون إلى أن العزم إن لم يشارك المعزوم فلا قطع بكبره مطلقا، وقول بعض المتأخرين القائلين: بأن بعض العمد ليس بكبيرة يحتمله وأدلته أدلة الذي قبله إلا أنهم فرقوا بين العزم والفعل. فقالوا: ما ورد الوعيد مع الحد أو لفظ يفيد العظم إلا على الفعل لا على العزم إلا قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم} فلما نص عليه كان خاصا ، وهذا القول هو الراجح لأن الأدلة محتملة، والمسألة قطعية فيجب التأويل لما خالف الصريح القاطع وهو صريح الحديث (( إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها )) وقوله {إلا اللمم} وقوله تعالى : {إن الحسنات يذهبن السيئات }.
فيقال: ما أذهبت الحسنة هل عمدا، أو خطأ ونسيانا؟.
إن قلتم: خطأ ونسيانا لزمكم أن الفاسق معاقب على الخطأ والنسيان، إذ لا حسنة له لقوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} وهذا يخالف عدل الله أعني المعاقبة على الخطأ والنسيان، ويلزم منه الظلم وهو محال([62]) عليه تعالى ، وما استلزم المحال فهو محال.
وإن قلتم: أذهبت عمدا فهو مطلوبنا ، وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} يفيده لأن الوسع دون الطاقة، فالطاقة: هي العزم الذي تفضل الله بعفوه، والوسع: هو الفعل، وهذا يطابق معنى رفع الإصر {ربنا ولا تحمل علينا إصرا}لأن من قبلنا كلفوه ، مثل التوبة بقتل النفس وهو داخل في الوسع، لكنه رفع عن هذه الأمة ببركاته صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما تفسير حديث (( نية المؤمن خير من عمله )) فالمراد بالخيرية: أنه ينوي من أعمال الخير ما لا يبلغه بعمله ولا يقدر عليه، بل قد ينوي الأشياء المتضادة فيؤجر على النية فكانت النية خيرا من العمل، وقوله: (( ونية الفاسق شر من عمله))عكس هذا لأنه ينوي من الشر مالا يقدر على فعله من أنواع المعاصي، فكانت نيته شرا من عمله، فظهر أنه لا يلزم عنه أن تكون النية وحدها كبيرة لأن الحيثية مختلفة.
Bogga 30