"إننا لا نرى شاعرا غيرك جمع الله فيه شتات ما تفرق في غيره ممن سلف من نوابغ الشعراء فكأن روحك العالية قد مازجها أرواح النابغة وحسان وجرير والأخطل وبشار وأبي نواس وابن الرومي وابن الطيب ... .."لا مراء أن المذكورين هنا مع شاعرنا أهل قرية انقرضت ومضت إلى سبيل ربها إذا فما الفائدة في حشر الأحياء مع الأموات وكل يعمل على شاكلته وعندي أنها أوصاف ونعوت وتخليط لوأمعن النظر فيها قائلها لما فاه بها أصلا ولا سجلها بقلم يريد به أعلاه عصره على سائر العصور الغابرة فهي هجاء قبيح في صورة إطراء ومديح،إذ لا ترينا شاعرا مستقلا برأيه وفكرته بارزا لشخصه معروفا بنفسه واختراعاته وإنما غاية أمرها جعلته مرآته صافية ينعكس عليها أعمال غيره وألصقته بالقدماء لصقا لا انفكاك بعده يشبه الحرف فإنه لا يفيد معنى إلا إذا الحق بشيء آخر وكأن الغاية القصوى التي نسعى إليها جعل الأقدمين قطبنا الوحيد-في الأدب خاصة-بحيث لا تدور حياتنا إلا عليهم وإن خالفناهم ولوفي جزء من الجزئيات خرجنا عن الجادة وعشنا مذبذبين لا نفقه قولا.لا لا ما هكذا تؤكل الكتف ولا هكذا تساس الحياة ولكن لها شروط وأي شروط..
نعم إن المتقدمين لهم فضل جسيم علينا ومزية كبرى لا يستهان بهما ولا يجوز أن نغمضهما أونغض الطرف عنهما فيبعثنا التاريخ في زمرة كافري النعم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا،وفي الآخرة هم الأخسرون أعمالا،كبني إسرائيل واليونان قديما وحديثا،وتمطر علينا سحائب الويل والثبور فنضحى أضحوكة العالم المتمدن ويصح فينا قول الشاعر.
"تربيب في نعمائه فجحدتها
ومن يجحد النعما فلا شك كافر"
Bogga 53