أجل إننا محتاجون أشد الاحتياج إلى شعراء ملفقين وكتبة مفيدين وخطباء مفوهين مثل"لامارتين"و"فولتير"و"ميرابو"لقطع بحر الاستعمار الطامي والوصول إلى شاطئ السعادة والحرية والاستقلال كما فعل أولئك الأفذاذ العظام.
فإن الرثاء والمديح ووصف القصور و"البالات" والمعارضة والافتخار بمن سبق من الأمم البائدة.إن لم يكن عظة تاريخية نحن في غنى عنها مادام الشرق كله أوجله يئن تحت نير الغرب الثقيل ومادمنا ننظر إليه نظر العبد لسيده والضعيف للقوي الجبار.
أنا لا أقول إن شوقي ليس له بعض قصائد تحوم حول السياسة والاجتماع خصوصا في هته السنين الأخيرة بعد الحرب العالمية -كالتي بكى بها دمشق أخيرا تحت عنوان ضئر الإسلام-أوإنه غير قادر على ذلك-معاذ الله-ولكن أريد أن أقول أن من يجود بمثل"صدى الحرب"و"كبار حوادث وادي النيل"و"النيل" بنفس واحد على نسق واحد لا فرق بين أول ووسط وآخر القصيدة لا يتخللها ملل ولا ضعف ولا قصور لقدير-وأيم الله-وقدير على أن يدبج ببراعة السيال وفكره الجوال روايات شعرية دراماطيقية هائلة،حماسية متقدة،وطنية عالية،يتضاءل بجانبها شعر"فولتير"و"لامارتين"وروايات"شكسبير"وهيكو". ولكن بشرط أن لا يتولع بغريب الألفاظ وصخورها حتى لا نلجأ إلى مطارق القواميس والمعاجم في عصر يقال فيه"الوقت ذهب إن لم تغتنمه ذهب"وأن يكسر تلك القيود الثقيلة ويتجاوز تلك الحدود"الباستيلية "التي أوقفت الأدب عن السير زمنا غير قصير ويمضي في سبيلة لايلوي عما وراءه قائلا:
"وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل"
ولهذا فإننا نترقب ليل صباح خطة جديدة يسنها لنفسه بنفسه ويدعوا الناس إليها ويباشر بثها بيده-مادام متمتعا بنعمة الحياة-ولويلاقي صدمات عنيفة وعراقيل جسيمة في سبيل نشرها والذود عن حياضها فإن وراء ذلك سعادة أمة جمعاء ورفع لغة هي أم اللغات وأوسعها إذ:
"لابد للشهد من نحل يمنعه
لا يجتني النفع من لم يحمل الضررا"
Bogga 51