وها هوالعالم الإسلامي الفتي يريد أن يحتفل بأحمده كما احتفلت فرنسا بهيكوها والإنكليز بشكسبيرها سابقا فشكرا جزيلا للمحتفل وهنيئا للمحتفل به.إن هذا العمل الخطير وهوالاعتراف بالجميل لأكابر الرجال يدل على دبيب الشعور بالواجب في شرايين الشرقيين دبيب البرء في السقم والفجر في تجاليد الظلام.فكل أمة عظمت من يستحق التعظيم وازدرت بكل خائن لئيم نالت مبتغاها وعقد النصر بلواء مسقبل أيامها.إذا فلتبشر الأمة الإسلامية المنكوبة نعم إن شوقي أحيا الشعر العربي بعد موته-أوكان في طليعة من أحياه-وفتح الباب الذي أغلقته السنون الطوال ولكنه مع ذلك كله لم يأت بشيء جديد لم يعرف من قبل أوسن طريقة ابتكرها من عنده وخاصة به دون غيره أواخترع أسلوبا يلائم العصر الحاضر.وإنما غاية ما هنالك جاء بهيكل الشعر القديم الموضوع في قرون بلي عهدها ودرس رسمها فكساه حلة من جمال خياله ورقة أسلوبه وفخامة ألفاظه وقوة مادته وتوجه باتساع دائرة معارفه ومعلوماته وضرب به على أوتار قلوب كانت تتمنى بجذع الأنف أن يرسل الله لها من يسمعها نغمات شعر الفحول من القدماء ويحتذي حذوهم حتى تكون حياتهم متصلة بسلسلة محكمة العقد مع حياة أجدادهم تبعا لقاعدة"كل خير في اتباع من سلف وكل شرفي اتباع من خلف" فلما ظهر شوقي تلقته على ظمأ.
وبعبارة أوضح إن الشعر العربي كصحيفة من الأبريز الخالص وقد تراكم عليها غبار الإهمال والنسيان مدة ليست بالقصيرة فجاء شوقي فرفع عنها تلك الأدران فصارت تلمع تحت أشعة فكره المتقد كما كانت عليه من قبل في عصورها الذهبية الأولى تتعجب لرؤيتها الأبصار.ولم يخطر بباله في غضون ذلك كله أن يذيبها بنار التبديل والتغيير والتفنن ويجعلها إناء جميلا ويصب فيه من بنات أفكاره خمرا حلالا ويقدمه للشاربين عذبا زلالا.
شوقي وما أدراك ما شوقي شاعر حكيم مجيد في الطبقة الأولى من الفحول البائدة له غيرة كبيرة على الأدب القديم كغيرته على شرفه ومتمسك به إلى حد التقليد وعدم الالتفات إلى جوانبه وأكثر شعره أقرب إلى العهد القديم منه إلى العشرين الذي يحتاج إلى شعر وطني قومي سياسي حماسي يجلب المنفعة ويدفع الضرر ويحرك همم الخاملين ويوقظ الراقدين الخامدين خصوصا والشرق الفتي في فاتحة نهضته الجديدة فهويخطوأول خطوة ويقطع أول مرحلة في سبيل الحياة والرقي والمدنية العصرية الجميلة:
Bogga 50