وذلك أنه سلط الله عليه من يقتله بالتحسينات الكاذبة والاستعارات الفارغة والتشبيهات المملة وإفراغ المعنى القبيح في اللفظ المليح وإلزام ما لا يلزم وتعقيد العبارات والإتيان بالكلمات الغريبة الغليظة الشبيهة بصليب الحجر فخنقوا أنفاسه وقضوا عليه قضاء مبرما لا حياة بعده إلى يوم يبعثون.
وإني لأصف هؤلاء المتحذلقين الأغبياء بقولي:
في الناس قوم لن يبالوا أن أتوا
بغريب لفظ أوقبيح بناء
وضعوا الكلام لنفسهم وضميرهم
لا للأنام كعبرة علياء
جعلوا الكتابة غاية يسعى لها
أومنصبا لفخامة وثناء
زعموا الفصاحة والبيان بوضعهم
وعر الكلام كصخرة صماء
فتكلموا بالطبع حسب عقولهم
وإذا بهم في ليلة ظلماء
بلي الأديب بجهلهم وحياتهم
إذ حدثوا بجهالة ورياء
قد شوهوا وجه الجمال بفوهة
نزلت به من منزل الجوزاء
إن التكلف والتعمل هفوة
ذهبت بروح الشعر والإنشاء
لوسرحوا الأقلام تجري طليقة
لأتت لنا بعجائب الأشياء
ماذا عسى يجدي الكلام لمن مضى
لكن لب القول للأحياء
ولكن الأدب وإن عبث به أقوام لا يعدم أنصارا يأخذون بيده.فقد تداركه الله برحمة من عنده إذ قيض له من جانب الغرب رجالا وهم الأندلسيون أحيوا معالمه ونبشوا دفائنه بل كسروا تلك الأغلال الثقيلة القاسية التي أوقفته عن السير زمنا.وقد قامت عليهم قيامة الجامدين المقلدين فاعتمدوا في ثورتهم-هته- الأدبية على سلطان الغناء القاهر المتبوئ عرش الأفئدة والصدور.وسموا غزواتهم الظافرة"الموشحات"فوشحوا الأدب العربي بحلة ذهبية لا تبليها أيدي القرون.فقد وسعوا فيه وزادوا ونقصوا وخالفوا من سبقهم من النظامين الواقفين كصخرة عثرة في سبيل نموه وجاؤوا بالعجب العجاب في تلك الثورة المباركة التي"لو" أمد الله عمرها وأطال أيامها لأصبحت الثريا وما أدراك ما الثريا حذاها الوضيع.
Bogga 47