القول فى حس السمع والأشياء الموافقة له
وكذلك يجب أن تنظر فى آلة السمع، فإنها حاسة لطيفة أيضا، محتاجة فى تمام فعلها إلى الهواء، لأن بتوسطه تصل المسموعات إليها، مما تحمله الأصوات، كالأقاويل والنغم والألحان والأخبار، وبالجملة جميع المسموعات. فلذلك يجب أن تعنى بالهواء الذى هو الواسطة، كالعناية التى وصيت بها فى حاسة البصر. وأخص العناية ينبغى أن يكون بالهواء الذى داخل الأذن، فإن به يتم الاستماع أولا، ثم بالهواء الخارج عن الأذن، باتصال أحدهما بالآخر. فاحذر من تكدر أحدهما، لئلا يتكدر الآخر المتصل به! والحذر على الهواء الذى داخل الأذن ينبغى أن يكون بما يتصاعد إليه، أو يتصل به، من بخارات المعدة، وفضلات الدماغ. 〈و〉أشد وأكثر ما يفعل ذلك هو ما يملأ المعدة والدماغ من الأطعمة والأشربة المجاوزة فى الكمية والكيفية المقدار القصد. وكذلك القول فى الحركات والاستحمام، وسائر الأمور الضرورية التى لا ينفك الجسم منها، غير أن علينا تعديلها، فعدلها لجسمك بحسب ما يوافقه منها، ليصفو لأذنك هواؤها!
وأما الهواء الخارج، فقد سمعت القول فى إصلاحه، واختيار المحمود منه، وإنما هو فى القول فى العين. ويجب أن تتوقى — مع ما قلناه هناك — هذه الأشياء أيضا: وهى مجاورة الصنائع، والمواضع المفسدة الهواء، كالحدادين والنشارين، وأتاتين الحمامات، وغيرها من المواقد العظيمة، كمسابك الزجاج والنحاس.
وكذلك توق استماع الأصوات العظيمة المهولة، كأصوات السباع، وأصوات الدبادب والطبول الدائمة، والبوقات المتصلة! فإن جميع ذلك يفسد القوة التى ترد إلى الأذن ليكون بها الاستماع، ويعوقها عن الاستماع، فتضعف لضعف آلتها، وكلما ضعفت الآلة، قل قبولها لقوة النفس، كالذى يشاهد من ذلك عند الشيخوخة، وفى الأمراض العامة للبدن، والخاصة للأذن.
فتدبر بما قلناه، واعن بمصالح أذنك، ونقها مما يرد إليها من فضلات الدماغ! فإنها هى وسائر المنافذ — مع ما لها من المنافع والإحساس — قد جعلت طرقا لتنفيذ ما يصل إليها من الفضلات والبخارات. واجعل تنقيتك لها بعد خروجك من الحمام، لأن ما داخلها يلين! ولا تعنف عليها! فإن العصب الذى فى باطنها هو شديد الحس، وقريب من الدماغ. فتجنب كثرة الحك لها، وإدخال الأجسام إليها!
Bogga 32