فبواجب إذا ينبغى لك أن تعنى بإصلاح الهواء المحيط بك، وتجتهد ألا يفسده عليك بخار ولا دخان ولا غبار. واجتهد أيضا فى أن يكون مسكنك موضوعا قبالة الرياح الشرقية! فإن المدن التى وضعها هذا الموضع هى أقرب إلى الاعتدال، ولذلك 〈يكون〉 هواؤها أصح وأرق وأشد صفاء. ولذلك تجد بقراط يفضل هذه المدن على غيرها، ويقول، قال بقراط فى الموضع الشرقى من المدن فى كتابه فى البلدان والمياه هذا القول: وأما ما كان من المدن موضوعا قبالة الرياح التى فيما بين مطالع الشمس الصيفية وبين مطالعها الشتوية، وما كان موضوعا منها على ضد ذلك، فهذه هى الحال فيهما: أما ما كان منها موضوعا قبالة مطالع الشمس، فيجب أن تكون تلك المدن أصح من المدن الموضوعة قبالة الشمال، ومن المدن الموضوعة قبالة الرياح الحارة، وإن كان البعد فيما بينهما ليس هو إلا مقدار اسطاذيون واحد، وهو عند اليونانيين سبع ميل. وذلك أنه فى أول الأمر 〈يكون〉 الحال فيهما من الحرارة أقرب منها إلى الاعتدال فيما بينهما وبين البرد. وقال: ثم إنه يجب ضرورة أن لا يكون فى تلك المدينة هواء غليظ، وذلك أن الشمس تمنع من ذلك ، إذا طلعت فوقع شعاعها عليه، لأن الهواء الغليظ إنما يكون فى كل واحد من الأوقات فى الغدوات على الأمر الأكثر. واحذر الإلحاح على تأمل الأنوار القوية الساطعة، كجرم الشمس، وما عظم من النيران! فإن ذلك يضعف نور البصر ويفرقه. وكذلك يفعل البياض الساطع، فإنه يفرق البصر، كما أن اللون الأسود يجمعه. وكذلك يجب أن تحذر الإدمان على الأعمال الدقيقة، والخط الدقيق، فإن ذلك يضعف البصر أيضا.
ومما ينقى العينين تنقيتهما وغسلهما، وخاصة بعد النوم، وحفظهما مما يرد إليهما، ومن العرق النازل إليهما. ولا بأس بتعاهدهما بما قواهما من الأكحال كالأثمد ونظيره. وقد يفعل ذلك أيضا النظر إلى المبصرات المحمودات والنافعات، كالخضر وأنواع النبات النضر.
وعلى ما ذكرته لك فقس، واعدل ببصرك، أيها العانى بمصالحه، مع توفرك على جميع هذه الأشياء إلى قراءتك فى الكتب، والالتذاذ بفوائدها! فإن هذه هى أول النعم التى وهبها لك بارئك تعالى، وأوصلك إليها بنور عينك. فعليك وعلينا أن نحمده كثيرا، ونسبحه دائما، ونصرف أبصارنا عن المحذورات والمذمومات، لتدوم هذه النعمة لنا وعلينا.
Bogga 31