والمباحث في أمر هذه العشرة كثيرة. منها أنه هل يمكن أن تستند كلها إلى جنس واحد، كما ظن أن الموجود جنس لها ؟ ومنها أنه إن لم يمكن ذلك فيها، فهل يمكن أن يفرد الجوهر جنسا ويجعل العرض جنسا واحدا يعم التسعة ؟ ومنها أنه إن لم يمكن هذا، فهل يمكن أن تجمع في أكثر من اثنتين وأقل من عشرة ؟ ومنها أن هذه هل تشتمل على جميع الموجودات، فلا يشذ منها شئ، أو لاتشتمل، بل ههنا أمور أخرى لا تدخل في شئ من المقولات ؟ ومنها أن الموجود كيف يتشعب إلى هذه العشرة مع كون أمور أخرى خارجة عنها أو مع لاكون أمور أخرى خارجة عنها ؟ فنقول: أما البحث الأول، وهو حال نسبة الموجود إلى هذه العشرة فإن المشهور من النظر فيه أن يعدوا وجوه قسمة الواحد إلى الكثرة، فيبطلوا وجها وجها منها حتى يبقى مايؤثرون بقاءه. وليس في تعديدنا ذلك كله فائدة؛ إذ من المعلوم أن الموجود مقول على هذه العشرة، وأنه إنما يتكثر فيها تكثير المقول، لاتكثير وجوه أخرى مما يطولون به كلامهم. وتكثير المقول يكون على وجوه ثلاثة: إما أن يتكثر تكثر المتواطئ في موضوعاته أو تكثر المتفق الصرف الذي يشمل التشابه والاشتراك، أو تكثر المشكك. ثم من امتنع أن يعقل أن للموجود معنى واحدا في هذه العشرة، فقد فارق الفطرة؛ وخصوصا إذا قال: إن الدليل على اختلاف هذه العشرة في معنى الوجود أن الجوهر موجود بذاته والعرض موجود بغيره، وأن الجوهر موجود لايحتاج في وجوده إلى وجود آخر، والعرض موجود يحتاج في وجوده إلى ذلك، فقد أشرك هذين الشيئين في شئ وهو لفظ الموجود، ثم فرق بعد ذلك بأنه بذاته أو بغيره وأنه محتاج أو غير محتاج. فهذا الموجود المستعمل، أن كان يدل على معنى يجتمع فيه العرض والجوهر ثم يفترقان من بعد، فقد حصل معنى جامع؛ وإن لم يدل على معنى جامع، فكيف فارق أحدهما الآخر؟ بل لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر، وأحدهما بذاته والآخر بغيره؛ وقد يفرق أيضا بين النوع والفصول التي تقال على كثيرين مختلفين بالنوع؛ مثال هذا الفصل المنقسم بالمتساويين فإنه فصل الزوج في ظاهر الأمر، وقد يقال على الخط والسطح والجسم في ظاهر الأمر؛ فليس الزوج وحده منقسما بمتساويين في ظاهر الأمر؛ فإنه إذا أضيف إلى العدد الذي هو كالجنس، كان مساويا للزوج، ولا يفرق بين النوع والفصل الذي هو خاص بالنوع فالناطق، أعنى الذي له مبدأ قوة التمييز، فإنه هذا الإنسان وحده. وأما الذي يقال للملك فهو بمعنى آخر ليس يشارك الإنسان الملك فيه؛ ولكن قد يمكن لبعض المتشحطين أن يخرج من هذا الحد من هذه الجهة وجها يفرق بين النوع والفصل، وذلك الوجه هو أن طبيعة النوع بهذا المعنى تقتضي أن لايقال إلا على كثيرين مختلفين بالعدد، وطبيعة الفصل لاتقتضى ذلك؛ وهو وجه متكلف. لكن قوله: " في جواب ماهو " يفرق بين الفصل وبينه تفريقا مطلقا، ويفرق بين الخاصة وبين النوع أيضا؛ فإن الخاصة لامدخل لها في جواب ماهو. فهذا الرسم متقن محقق مطابق للمعنى الذى يقال عليه النوع، الذي لايطابق إلا نوع الأنواع. وأما رسوم النوع بالمعنى الذي فيه الإضافة فذلك عندهم رسمان: أحدهما قولهم: إنه المرتب تحت الجنس، والثاني: إنه الذي يقال عليه الجنس من طريق ماهو. فيجب أن ننظر في حاله فنقول: إنه إن عنى بالمرتب تحت الجنس مايكون أخص منه حملا، أنى يكون حمله على بعض ما يحمل عليه مما هو تحته، فإن الشخص والنوع والفصل والخاصة تشترك جميعها فيه، وإن عنى بذلك ماكان كليا وحده دون الشخص، فقد عنى ماهو خارج عن مقتضى اللفظ؛ ومع ذلك فإن الفصل والنوع والخاصة تشترك فيه. وإن لم يعن بالمرتب هذا، بل عنى به ماهو أخص وملاصق لايتوسط شئ بينهما، وهو مايتلوه في المرتبة، خرج الشخص ودخل الخاصة والفصل؛ وإن عنى بالمرتب ما كان ملاصقا ليس في ترتيب العموم فقط، بل في ترتيب المعنى أيضا، خرج الخاصة ودخل الفصل؛ وإن عنى بالمرتب مايكون خاصا مدخولا في طبيعته، أعنى ما يكون ما فوقه مضمنا في معناه، اختص هذا الرسم بالنوع؛ فإن الجنس ليس داخلا في طبيعة الفصل ولا الخاصة، بل هو شئ كالموضوع لهما ليس داخلا فيهما، ونسبته إليهما نسبة الأمر اللازم الذي لابد منه، ليس نسبة الداخل في الجوهر، على ما علمت. لكن لفظة " المرتب " ليس تدل على هذا المعنى المحدد بكل هذه الاشتراطات، لابحسب الوضع الأول، ولا بحسب النقل، فليس يذكر في موضع من كتب أهل هذه الصناعة أنه إذا قيل: مرتب تحت كذا، عنى هذا المعنى.
وأما الرسم الثاني، وهو أنه الذي يقال عليه جنسه من طريق ماهو - إن عنى بالمقول من طريق ماهو ما حققناه نحن - فيجب أن يزاد عليه أنه الذي يقال عليه وعلى غيره جنسه من طريق ماهو، أو يقال: هو الذي يقال عليه جنسه من طريق ماهو بالشركة، فيكون هذا خاصا للنوع؛ فإن الفصل لايقال عليه الجنس من طريق ماهو ألبتة، وكذلك الخاصة والعرض. وأما الشخص فلا تتم ماهيته بالجنس. وأما إن عنى بذلك ما يعنونه، وبين الفصل بل تكون الماهية موجبة له ومقتضية إياه. وأما ماتكون الماهية لاتوجبه ويجوز أن يكون من شئ خارج يفيده فليس مقوما للماهية. والجنس إنما يكون من المعانى التي تشبه الشكل مما يصير به المعنى معنى والماهية ماهية. وأما الوجود فأمر يلحق الماهية تارة في الأعيان وتارة في الذهن.
Страница 22