لكنك إذا قسمت الكلى - من حيث هو كلى - فأولى الاعتبارات به أن تقسمه قسمة تكون له بالقياس إلى موضوعاته التي هو كلى بحسبها، فهنالك يذهب النوع الذي بالمعنى الأعم؛ وإنما يحصل من بعد باعتبار ثان، وهنالك يصير النوع المشعور به أولا هو النوع بالمعنى الخاص. وإن لم يراع هذا - بل روعى أحوال الكليات وعوارضها فيما بينها من حيث هي كلية، مثل الزيادة في العموم والخصوص التي لبعضها عند بعض، لاعند الجزئيات - خرج لك النوع المضاف، على مانورده عن قريب. وليبس يجب أن يكون هذا التخميس مشتملا على كل معنى تكون إليه قسمة الكلى؛ فإن الشئ قد ينقسم أقساما قسمة تامة، وتفلت منها أقسام له أخرى إنما تأتى سليمة بقسمة أخرى؛ فإن الحيوان، إذا قسمته إلى ناطق وأعجم، لم يكن إلا قسمين، وأفلت المشاء والطائر، واحتاج إلى ابتداء قسمة. وليس يجب أن تنعسر ونقول: إن هذه القسمة المخمسة يجب أن تشتمل على كل معنى يكون من أقسام الكلى واعتباراته، بل يجب أن تعلم أنه إنما يحمل على هذا التعسر اشتراك قسمين متباينين في اسم وهو اسم النوع، بل الأحرى أن نقول: إن هذه الخمسة إذا تحصلت، حصل من المناسبات التي بينها أمر آخر، هو حال الأخص من المقولات في جواب ماهو عند الأعم، حتى يكون ذلك نوعية الأخص، وكما يعرض مثل ذلك أيضا شخصية وجزئية، ولكن تلك قد تركت إذ لا التفات إليها. فإن آثره أن نجعل القسمة مخرجة للنوع بالمعنى المضاف الذى هو أعم، وجب أن نقول: إن اللفظ الذاتى إما مقول في جواب ماهو، وإما غير مقول؛ ونعنى بالمقول في جواب ماهو، ما يصلح أن يكون - إذا سئل وهذه الأمثلة التي أوردناها ليست تدل التسع منها على المقولة دلالة الاسم على المعنى، بل دلالة الاسم على ذي المعنى، إذ كان هذا أعرف. ثم ننتقل منه إلى المعنى؛ وذلك لأن قولنا أبيض ليس اسما للكيفية بل اسما لشئ هو ذو كيفية، وهو الجوهر. لكن من ههنا تنبيه على وجود الكيفية؛ فإن الأبيض كزيد وككرباس أعرف عند التخيل من البياض الذي هو مجرد الكيفية، والتخيل أسبق إلينا في هذه الأمور من العقل. فإذا أخطرت ببالك الأبيض، فكان شيئا ذا بياض، دلك هذا على البياض دلالة المعنى على المعنى والأمر على الأمر. فالمقولة ليست هي الأبيض، بل البياض. وكذلك ليست الكمية هي شيئا ذا ذراعين، بل نفس الذراعين. وكذلك الحال في البواقي.
فالألفاظ التي تدل على الجواهر تدل على ذات فقط دلالة الاسم؛ ولا تدل على أمر تنسب إليه هذه الذات، دلالة الاسم ولا دلالة المعنى. وأما إذا قلت بياض، فإن هذا اللفظ يدل لك على معنى البياض دلالة الاسم ويدلك على معنى آخر؛ وذلك أنك كما تسمع لفظ البياض وتفهم،يبادر بك ذهنك في أكثر الأمر إلى أن تخطر بالبال شيئا آخر هو الأبيض. وكذلك الحال في كل واحد من التسعة. فالمقولات التسع هى مايدل عليه البياض والمقدار والعدد والأبوة والكون في المكان، كقولك الإنجاد والإتهام، والكون في الزمان، كقولك العتاقة والحداثة، والوضع كقولك القيام والجلوس، وأيضا ما يدل عليه التسلح، وصدور الفعل كالقطع، وقبوله كالانقطاع مادام ينقطع.
Страница 21